قصف ميناء المكلا يفتح فصلًا جديدًا من الارتباك في إدارة الملف اليمني
شهدت الأزمة اليمنية تطورًا لافتًا مع قصف السعودية لميناء المكلا في محافظة حضرموت، في خطوة وُصفت بأنها تحوّل عسكري وسياسي يعكس حالة التخبط التي باتت تميّز إدارة الرياض للملف اليمني بعد نحو عشر سنوات على انطلاق عملية “عاصفة الحزم”.
القصف استهدف منشأة مدنية حيوية تُعد شريانًا اقتصاديًا ومعيشيًا رئيسيًا لملايين السكان في حضرموت والجنوب عمومًا، وجاء بعد أيام قليلة من إغلاق ميناء عدن الاستراتيجي، الذي يعتمد عليه أيضًا ملايين اليمنيين في تأمين الغذاء والوقود والسلع الأساسية. هذا التزامن أثار تساؤلات واسعة حول منطق القرارات المتخذة وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية.
استهداف منشأة مدنية في نطاق سكني
وأثار القصف استغراب مراقبين وفاعلين محليين، لا سيما أن ميناء المكلا يقع ضمن نطاق سكني مكتظ، وتحيط به خزانات وقود ضخمة، ما يجعل أي عمل عسكري ضده محفوفًا بمخاطر إنسانية وبيئية جسيمة.
ويرى محللون أن استهداف منشأة مدنية من هذا النوع يتناقض مع المبررات التي رفعتها السعودية عند تدخلها العسكري في اليمن، والمتمثلة في استعادة الشرعية ومحاربة جماعة الحوثي.
عشر سنوات بلا حسم
وبعد عقد كامل من العمليات العسكرية، لم تتمكن الرياض من إزاحة الحوثيين من صنعاء، ولا من إعادة السلطة الشرعية إلى العاصمة. وعلى العكس، يرى مراقبون أن التحركات السعودية الأخيرة، بما في ذلك قصف حلفاء على الأرض، تصب عمليًا في مصلحة جماعة الحوثي المدعومة من إيران، إذ تُضعف الجبهة المناهضة لها، وتعمّق الانقسامات داخل المعسكر المفترض أنه يقف ضدها.
أزمة داخل مجلس القيادة
في موازاة التصعيد العسكري، فجّرت قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي جدلًا واسعًا، بعدما أعلن إجراءات وُصفت بأنها فردية، شملت إعلان حالة الطوارئ وإطلاق توصيفات سياسية وأمنية خطيرة وصولا الى الغاء اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة مع الإمارات
هذه القرارات قوبلت ببيان مشترك وقّعه أربعة أعضاء في مجلس القيادة، أكدوا فيه عدم قانونية الإجراءات، مشددين على أن إعلان نقل السلطة ينص بوضوح على أن المجلس هيئة جماعية، تُتخذ قراراتها بالتوافق أو بالأغلبية عند تعذّر التوافق، ولا يجيز بأي حال التفرد باتخاذ قرارات سيادية أو عسكرية أو سياسية مصيرية.
تقويض المصداقية والشراكات
البيان اعتبر أن ما جرى قوّض ما تبقى من مصداقية رئيس المجلس السياسية والأخلاقية، ورأى فيه انفرادًا بالقرار وتناقضًا صريحًا مع الشراكات القائمة على الأرض. كما شدد على أن الإمارات كانت، ولا تزال، شريكًا رئيسيًا في مواجهة المشروع الحوثي، وقدمت تضحيات جسيمة وأسهمت بدور محوري في تحرير مناطق واسعة، وبناء قدرات أمنية وعسكرية كان لها أثر حاسم في حماية المدنيين وتأمين الملاحة الدولية ومكافحة الإرهاب.
وأشار الموقعون إلى أن محاولة شيطنة هذا الدور أو التنصل منه لا تخدم سوى أعداء اليمن، وتُعد إساءة للتاريخ القريب، وتفريطًا بشراكة “ثبتت بالدم لا بالشعارات”. وحذّر البيان من أن استخدام مؤسسات الدولة، أو ما تبقى منها، لتصفية حسابات سياسية داخلية أو إقليمية يمثل انحرافًا خطيرًا عن الهدف الذي تشكل من أجله مجلس القيادة، ويقوض ما تبقى من الثقة الوطنية والإقليمية والدولية، ويفتح الباب أمام مزيد من الانقسام والفوضى.
مظاهرات شعبية حاشدة
تزامنت هذه التطورات مع اعتصامات مفتوحة للجنوبيين في المكلا وعدن وأبين ومدن أخرى، لتأكيد قضيتهم السياسية وأحقيتهم في تقرير المصير. ورغم التصعيد العسكري الأخير من أطراف متعددة، شملت السعودية والحوثيين وجماعات الإخوان وميليشيات قبلية وتنظيم القاعدة، أظهر الجنوبيون تشبثًا متزايدًا بمطالبهم، معتبرين أن ما يجري يعزز قناعتهم بفشل إدارة الأزمة اليمنية ضمن الصيغة الحالية.
مشهد مفتوح على المجهول
في المحصلة، يرى مراقبون أن قصف ميناء المكلا، وإغلاق موانئ حيوية، واتخاذ قرارات أحادية داخل أعلى سلطة تنفيذية في البلاد، كلها مؤشرات على ارتباك استراتيجي عميق في إدارة الملف اليمني. ارتباك لا يهدد فقط ما تبقى من الاستقرار الهش، بل يعمّق الأزمة الإنسانية والسياسية، ويترك اليمن مفتوحًا على سيناريوهات أكثر تعقيدًا في ظل غياب أفق واضح للحل.





