الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
حازم عادل
صحة وطب

بسبب التكنولوجيا .. احذر دماغ الفيشار.. الخطر الصامت علي العقول

الإثنين 10/نوفمبر/2025 - 04:14 م
دماغ الفشار
دماغ الفشار

 

 


في عصرنا الحالي الذي يتسم بالفيض الهائل من المعلومات وتناثر الإشعارات، ظهر مصطلح "متلازمة دماغ الفيشار" (Popcorn Brain) ليصف حالة ذهنية جديدة تتسم بعدم القدرة على التركيز لفترة طويلة، حيث تقفز الأفكار في الدماغ وتتطاير بشكل سريع وعشوائي، تشبه في حركتها أصوات حبات الفشار المتتابعة. ورغم أن هذا المصطلح ليس تشخيصاً طبياً رسمياً في علم النفس أو الأعصاب، إلا أنه يعكس ظاهرة حقيقية ومقلقة ناجمة بشكل رئيسي عن الإفراط في التعرض للمنصات الرقمية والمحتوى القصير والسريع.
تكمن الأسباب الرئيسية وراء هذه المتلازمة في البيئة الرقمية المحيطة بنا. فالأجهزة الذكية وتطبيقاتها مصممة خصيصاً لإبقاء الدماغ في حالة تحفيز مستمر، مما يطلق جرعات متتالية من هرمون الدوبامين الذي يكافئ الدماغ على التبديل السريع بين المهام والأخبار والمقاطع القصيرة. هذا التعود على المكافأة الفورية يحوّل الدماغ إلى عضو يبحث دائماً عن المثير التالي، تماماً كالفشار الذي ينفجر دون توقف. إن التنبيهات والإشعارات المستمرة تكسر تدفق التفكير العميق وتشتت الانتباه، ما يقلل من كفاءة الدماغ في التركيز على مهمة واحدة مملة أو طويلة الأمد.
أعراض هذه المتلازمة لا تقتصر على الشعور بالتشتت العابر، بل تشمل قصر مدة الانتباه بشكل ملحوظ، حيث يجد الشخص صعوبة بالغة في إكمال مقال مطول أو قراءة كتاب أو حتى متابعة محادثة عميقة. يعاني المصابون بـ "دماغ الفيشار" أيضاً من زيادة مستويات القلق والتوتر والشعور الدائم بالإرهاق الذهني، نظراً لعدم إراحة الدماغ من حالة التأهب المستمر. وقد يلاحظون ضعفاً في الذاكرة قصيرة المدى، والشعور بالملل الشديد من الأنشطة غير الرقمية الهادئة مثل التأمل أو الجلوس دون هاتف، لأنها لا تقدم جرعة الدوبامين التي اعتاد عليها الدماغ.
للوقاية من الوقوع تحت سيطرة "دماغ الفيشار"، يجب علينا إعادة تدريب الدماغ على التفكير العميق والهدوء. تبدأ الوقاية بـ وضع حدود واضحة لاستخدام التكنولوجيا، مثل تخصيص أوقات ومناطق خالية من الشاشات، كغرف النوم أو موائد الطعام. كما أن ممارسة التفكر واليقظة الذهنية (Mindfulness) تساعد الدماغ على التكيف مع الهدوء وتقليل القفزات الفكرية. يجب أيضاً استبدال المحتوى الرقمي السريع بأنشطة تتطلب تركيزاً مستداماً، مثل القراءة المتعمقة أو الهوايات اليدوية.
وحول هذا الأثر الرقمي، اكد د. وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، ان ظاهرة 'دماغ الفيشار' هي بمثابة تآكل صامت لقدرتنا على التفكير العميق والتأمل..و نحن ندرب أدمغتنا على أن تكون سطحية، تبحث عن الجرعة التالية من الإثارة الرقمية بدلاً من الانخراط في العالم الحقيقي. هذا التحول يخلق جيلاً من الشباب يعاني من القلق المرتفع وعدم الرضا الداخلي، لأنهم يفقدون القدرة على الاستمتاع باللحظات البطيئة الهادفة. الحل ليس في التخلي عن التكنولوجيا، بل في إتقان فن الانفصال المتعمد. يجب أن نتعلم 'إطفاء' الإشعارات لـ 'إشعال' التركيز، وأن نخصص وقتاً للضجر الهادئ، لأن الضجر هو بوابة الإبداع والعودة إلى الذات الحقيقية."