الثلاثاء 23 أبريل 2024 الموافق 14 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

الحب والموت فى لندن (4)

الأربعاء 06/يناير/2021 - 06:47 م

ما حدث لـ "ماجي ميلر"، صباح ليلة الزفاف، كان أشد وطأة وأفدح مصيبة، فعندما غادرت مخدعها، وقد لفّت جسدها بروب منزلى، ورأته وهى تهبط السلم الذى يقود إلى بهو القصر واقفـًا في مدخل الاستقبال، وقد اصطف أمامه جميع خدمه، توهمت أنه يجهزهم لعمل تشريفة لها، كما فعلوا من قبل، وقبل أن تهبط آخر سلالم الدرج لمحها فصرخ فى وجهها طالبـًا منها العودة إلى غرفتها فورًا، ولا تغادرها مطلقـًا إلا وهى ترتدى ملابس الخروج، ولا تهبط إلى الدور الأرضي إلا بعدما ترسل "الباش أغا" أو إحدى وصيفاتها للاستئذان منه فى مغادرة سموها غرفة نومها وفي نزولها من الطابق الأعلى. 

وهنا أدركت "ماجي" حجم خسارتها بالزواج منه، بالمقارنة بحجم الأرباح عندما كانت محظيته.

لكنها رغم ذلك لم تشأ التراجع، بل زادت رغبتها فى الاستفادة القصوى من هذا الزواج والخروج منه بكل ما غلا ثمنه وقل حجمه، فبعدما غضبت منه، واستاءت من تصرفاته مع الناس والخدم ومعها شخصيـًا، وخاصمته، وهددت بالانفصال، استجابت بسرعة لأولى محاولاته للصلح، وقبلت هديته التي يعرب بها عن حبه، والتي تقدم بها أحد معاونيه على صينية من الفضة، وهو ينحني، ومد زوجها البرنس أصابعه الرقيقة، ليتناول من فوق الصينية علبة من القطيفة السوداء، فتحها على مهل، وأخرج منها دبوسـًا تلألأ بمجرد خروجه من العلبة فقد كان يتكون من ماسة كبيرة على هيئة قرص الشمس، تحيط بها ماسات صغيرة، تمتد منها أشعتها، وعلَّقها الأمير على صدرها، فتوهج وجهها الجميل، وتركته يحضنها، ويحملها بين يديه ويسير بها، عبر البهو، إلى المعبر الذي يربط بين القصر ومرسى اليخت، ولم يبدُ على وجهها في تلك اللحظات ما يدل على ضيقها رغم معرفتها بأن هديتها هي نفس الهدية التي ورد وصفها في ليالي العشق بباريس، حينما لم تكن على علاقة به، تدليلًا على أن "علي كامل فهمي" يستغل ماله للإيقاع بالسيدات ثم يتركهن للطريق، فقد أهدى الدبوس نفسه من قبل إلى ثلاث نساء على التوالي، واستخدمه طعمـًا لاستدراجهن، ثم استرده منهن بطرقه الخاصة! 
 
لم تقلق "ماجي" من فكرة أن من الممكن أن تفقد هذا الدبوس القيّم، أو لعلها كانت واثقة بأن مستقره الأخير في كنفها، وربما أسعدها أن زوجها فعل ذلك من قبل، إذ لو لم يسترد الدبوس منهن ما وصل إليها.

وأثناء شهر العسل، اتضحت الهوة بين الزوجين، فكلٌ منهما ينتمي إلى حضارة مختلفة؛ إذ كان الزوج البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عامـًا حريصـًا على أن يسيطر على زوجته النمرة المتمردة، فضلًا عن غيرته الشديدة وغضبه، إن ظهرت فقط بروب النوم أمام الخدم والمعاونين المصريين، أما إن ظهرت سافرة وبالمايوه حتى أمام أجنبي لا يكف عن النظر إليها، كان يعتبر ذلك نظرة إعجاب. 

ومن أمثال هذه التصرفات الجنونية الحمقاء: أنها كانت تستلقي يومـًا على مقعدها تقرأ وهي مستمتعة بدفء الشمس في أحد أركان سطح اليخت أثناء رحلة إلى الأقصر، ففوجئت بفرقعات شديدة ووميض نار يعبر بالقرب من وجهها، فقامت مفزوعة لتجد زوجها يقف على بعد أمتار قليلة منها، وهو يمسك بمسدسه المصوب نحوها، ويقول بجدية شديدة: لا تخافي فإنني أجيد التصويب، ثم أخذت الطلقات تتوالى على بعد سنتيمترات قليلة من جسدها المجمد رعبـًا، وهو يواصل استعراضه المخيف، ويواصل كلامه بالجدية نفسها: تحركي كما تشائين، ولن يصيبك ضرر.