الثلاثاء 07 مايو 2024 الموافق 28 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
عربى ودولى

باحث أمريكي: 78% من الإجراءات المتخذة في الدول الديمقراطية مقيدة لحرية التعبير

الجمعة 12/يناير/2024 - 01:38 م
صورة تعبيرية عن حرية
صورة تعبيرية عن حرية التعبير

 ظلت مسألة حرية التعبير ركيزة أساسية للدول الديمقراطية على مدى سنوات عديدة، إلا أنه ظهرت بوادر على تقويض هذا الحق على وقع متغيرات جديدة طرأت على بعض المجتمعات.

 

ويقول الباحث الأمريكي ديفيد إنسيرا في تقرير نشره معهد كاتو إن تقريرا صدر مؤخرا عن مستقبل حرية التعبير، يسلط الضوء على الاتجاه المستمر والمثير للقلق ضد حرية التعبير عبر الدول الديمقراطية. ومن خلال دراسة الإجراءات المتعلقة بالتعبير التي اتخذتها 22 دولة ديمقراطية في جميع أنحاء العالم من عام 2015 إلى عام 2022، وجد التقرير أن 78% من الإجراءات الرئيسية المتخذة كانت لتقييد التعبير.

 

ويضيف إنسيرا، زميل شؤون حرية التعبير والتكنولوجيا بمعهد كاتو، و الذي تركز أبحاثه على أهمية كل من السياسات والثقافة التي تعزز حرية التعبير في مجال التكنولوجيا، أن ما يثير القلق هو أن عدد القيود السنوية المفروضة على حرية التعبير يتزايد كل عام تقريبا، من تسعة في عام 2015 إلى خمسة وأربعين في عام 2022.

 

وتضمنت الدراسة أيضا بحث سبب وكيفية وضع هذه القيود. فقد تم وضع ما يقرب من 20% من هذه القيود بشكل صريح بناء على الأمن القومي أو السلامة العامة، ولا تشمل ما يقرب من 6% أخرى بسبب كوفيد19. وكان ما يقرب من 18% من القيود لهزيمة خطاب الكراهية، مع 10% أخرى لمكافحة المعلومات المضللة أو التشهير.

 

ويقول إنسيرا "إن هذه ليست قيودا على التعبير في الدول الاستبدادية. هذه انتهاكات لحرية التعبير في الديمقراطيات المفتوحة التي من المفترض أن تحمي حقوق مواطنيها. ولسوء الحظ ، كما رأينا في استطلاعات الرأي حتى في الولايات المتحدة ، يعتقد عدد متزايد من الأشخاص في كثير من الأحيان على جانبي الممر أن بعض أشكال التعبير خطيرة للغاية بحيث لا يمكن السماح بها. وكما نرى في هذه الدراسة، فإن الأمن وخطاب الكراهية والمعلومات المضللة هي أسباب شائعة لتبرير الحكومات لتقييد التعبير. لكن هذه المصطلحات لا يتم تعريفها ببساطة كما يعتقد مؤيدو التدخل في كثير من الأحيان".

 

ويرى إنسيرا أن هذا واضح حتى خارج هذا التقرير مع نظر إلى تطورات عام 2023 وما يمكن أن يحدث في عام 2024. على سبيل المثال، هناك مشروع قانون "التحريض على العنف أو الكراهية وجرائم الكراهية" الأيرلندي. وكان التشريع قد أقر في "دويل أيرن" الغرفة الصغرى في البرلمان، في وقت سابق من عام 2023، لكن الحكومة ضاعفت دعمها لمثل هذا التشريع بعد احتجاجات وأعمال شغب كبيرة تتعلق بالهجرة. وأشارت الحكومة إلى الحاجة إلى وقف الكراهية وضمان السلامة العامة بعد أن طعن مهاجر جزائري العديد من الأطفال والمارة في وسط مدينة دبلن في نوفمبر، مما أثار غضبا كبيرا وأعمال شغب على خلفية احتجاجات الهجرة الأخرى في عامي 2022 و 2023.

 

و يقضي مشروع القانون بأنه من غير القانوني التواصل أو التصرف بطريقة "من المحتمل أن تحرض على الكراهية" ضد الآخرين بسبب خصائصهم المحمية. ويقول إنسيرا إنه "غني عن القول الآن إن الكراهية ليست جيدة لمجتمعاتنا، ولكن كما هو الحال دائما مع قوانين خطاب الكراهية، تقوم الحكومة بعمل ضعيف في تحديد ما هي الكراهية بشكل فعال. وفي الواقع ، لا يحدد مشروع القانون هذا ما يعتبر كراهية. وحتى مجرد حيازة مواد من المحتمل أن تحرض على الكراهية يمكن أن يتركك في سجن أيرلندي. كما يجرم مشروع القانون التغاضي عن الإبادة الجماعية أو جرائم الحرب أو غيرها من الجرائم ضد الإنسانية أو إنكارها أو التهوين منها".

 

ويرى إنسيرا أنه حتى لو كان للمرء أن يشيد بنوايا مشروع القانون للحد من حوادث خطاب الكراهية، فإن مشروع القانون هذا سيحد من التعبير القانوني الذي هو بطبيعة الحال جزء من المناقشات حول القضايا المهمة اليوم. فعلى سبيل المثال، يمكن اعتبار معارضة الهجرة شديدة اللهجة تحريضا على الكراهية بموجب هذا الاقتراح.

 

ويضيف: "يتساءل المرء عما إذا كانت مقارنة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بهتلر يمكن اعتبارها استخفافا بجرائم الحرب النازية؟ أو إذا كان كاهن كاثوليكي يعظ بعقيدة الكنيسة التي تعود إلى آلاف السنين بأن هناك جنسين فقط يمكن اعتباره تحريضا على الكراهية؟ أو إذا كان يمكن تصنيف دعم المقاومة الفلسطينية أو العمل العسكري الإسرائيلي على أنه تغاضي أو التقليل من شأن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية؟".

 

ويقول إنسيرا إن هذا ليس سوى أحدث مثال على اتجاه مقلق بعيدا عن حرية التعبير في القوانين الأوروبية الحديثة وفي جميع أنحاء العالم. وتشمل القيود البارزة الأخرى على التعبير اعتبارا من عام 2023 قانون الخدمات الرقمية الذي يحفز الرقابة في الاتحاد الأوروبي، والذي انتقدته العديد من الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان وحرية التعبير بسبب التأثير الضار الذي سيحدثه على التعبير عبر الإنترنت. وشهدنا أيضا اعتماد الدنمارك مؤخرا لقانون تدنيس المقدسات، مما يجعل تدنيس نص ديني أمرا غير قانوني.

 

على الجانب الآخر من العالم، سعت الحكومة الأسترالية إلى تقديم مشروع قانون من شأنه أن يمنح الهيئات الحكومية سلطة متزايدة على الإشراف على المعلومات المضللة من قبل شركات وسائل التواصل الاجتماعي التي "من المرجح أن تساهم في" مجموعة واسعة من "الأضرار الجسيمة". وبموجب هذا المعيار، يمكن وصف المعارضة السياسية لسياسات إغلاق "كوفيد 19"، بناء على أدلة علمية متنازع عليها أو ناشئة، بأنها معلومات مضللة تساهم بطريقة ما في إلحاق ضرر جسيم بالنظام العام أو الصحة في أستراليا.

 

والجدير بالذكر أن لجنة حقوق الإنسان الأسترالية قالت إن مشروع القانون يضمن أنه لا يمكن ابدا اعتبار موقف الحكومة معلومات مضللة، وبالتالي يمكن استهداف الآراء المعارضة فقط. وبشكل أكثر وضوحا، كشفت الوثائق التي تم إصدارها مؤخرا بموجب قوانين حرية المعلومات أن وزيرة الاتصالات الأسترالية التي دفعت مشروع القانون أخبرت رئيس الوزراء أن التشريع سيسمح لها بتوجيه التحقيقات في أي شيء تعتبره الحكومة معلومات مضللة. وفي حين أن التراجع واسع النطاق عن الرقابة الواسعة والغامضة لمشروع القانون يعني أن مشروع القانون قيد المراجعة ، فإن هذا الكشف يجب أن يخيف جميع الأستراليين بإمكانية القمع السياسي الصارخ للتعبير

.

هذه الصفعات لحرية التعبير تنم عن أن التاريخ يعيد نفسه. فبعد تطوير تقنيات جديدة توسع نطاق الوصول إلى التعبير، أصيب من هم في السلطة بالذعر تاريخيا.

 

ويقول إنسيرا إنه يجب ألا نقبل هذه الرواية السائدة والمتشائمة والرضوخ للدعوات إلى تدخل الحكومة في هذه القيمة المهمة للمجتمع الحر. نعم، مثل هذا التغيير مدمر وبعض الكلام سيجعلنا جميعا غير مرتاحين. لكن إعطاء المزيد من المعلومات والتعبير لعدد أكبر من الأشخاص هو قوة جبارة للتقدم البشري.

 

لذا، بينما نجد أنفسنا حاليا في حالة تراجع في حرية التعبير، يمكننا ويجب علينا أن نذكر مجتمعاتنا بأن مستقبلا أفضل يبنى على التنوع الغني الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حرية التعبير، وفقا لما خلص إليه إنسيرا.