الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

بائع الصراحة

الأربعاء 23/يونيو/2021 - 11:36 م

الاربعاء 22 نوفمبر 2016
قرر امير يومها عدم الذهاب للمنزل بعد عمله الصباحي والاتجاه مباشرة للقاعة التي يلقي فيها محاضرات التنمية البشرية الذي ذاع صيته من خلالها في السنوات الاخيرة ، اصبح من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في وقت قياسي، آلاف المعجبين على صفحته  ومئات التعليقات والرسائل اليومية ، العودة للمنزل في السادس من اكتوبر ثم العودة مرة اخرى  لوسط البلد في يوم مزدحم هكذا يعد انتحارا ، لذلك فضل امير الانتظار والحصول  على وجبة من الهايبر ماركت القريب من القاعة  والانتهاء بعدها من  المحاضرة ليتجه بعدها لمنزله بعد ان يكون انهى يومه على اتم وجه .

بدء امير رحلة البحث عن طعام يسكت اصوات بطنه المسموعة في الاحياء المجاورة ، فهو لم يحصل على وجبة منذ الصباح، وبينما هو يفاضل بين انوع اللحوم المختلفة يفاجأ بصوت لم تنساه ذاكرته ابدا  
 
- امير ، ازيك
- ياسمين ، ايه الصدفة دي ، انا بخير ، ازيك انتي ؟
- الحمد لله ، بتعمل ايه هنا انت نقلت الدقي ولا ايه  ؟
- لا ، انا بس عندي محاضرة قريبة من هنا فقولت اجيب اي حاجة تتاكل
- اهاا ، انا ساعات بشوف ناس فعلا ناشره كلام بصورتك ، بتقول كلام حلو انت  ، عن اذنك بقى عشان نبيل مع باباه في العربية وزمانه بيعيط
 
ظل ينظر لها حتى خرجت من باب المتجر ونسى الطعام واصوات بطنه المزعجة ، لم يتذكر سوى احلامه مع هذه السيدة التي تطلب الان منه الرحيل لتذهب لزوجها وابنها ! ، هل تعاقبه الدنيا بعد كل هذه السنوات ؟  ، هل رتب  القدر هذه الصدفة وجعله يتخذ قرارا بعدم الذهاب للمنزل ليراها مرة اخرى وهي مبتسمة وسعيدة بعد ان تجاوزت صدمتها في غيابه المفاجئ غير المبرر ورغبته في انهاء العلاقة دون سبب مقنع ،خمس سنوات على انفصالهما ، تزوجا بعد عام من التخرج ،أحلام كثيرة بمستقبل وأولاد وبقاء أبدي تحطمت جميعها على صخرة الواقع وعدم قدرته على تحمل المسؤولية في هذ السن ، قرر وقتها الهروب وعدم المواجهة بحجة ان اكتشافه ان الحب ينتهي بالزواج وبالتالي عليهما الانفصال للحفاظ على ما تبقى من حبهما ، مرت لحظات وصولها لباب المتجر كأنها سنوات في عقله ثم قال لنفسه  " جميلة كما هي ، امتلئت قليلا و قصت شعرها ، يليق الشعر القصير على ضحكتها الساحرة "
 
حاول امير ان يلمم ما تبقى من عقله وافكاره للتركيز في موضوع المحاضرة التي ستبدأ بعد قليل ، استبدل ملابسه سريعا في الغرفة المخصصة له  
 
صعد امير على المسرح المقابل للحضور ، يحاضر   اليوم امام ٣٠٠ شخص  ، ينتهي العاملين بالقاعة من تجهيز شاشة العرض والميكرفونات اللازمة ، لحظات وتبدأ المحاضرة :
 
- مساء الخير ، انا امير الرشيدي ، مهندس تطوير في شركة الاجيال ومدرس تنمية بشرية ، فيه منكم يعرفني كويس وحضرلي قبل كدة وفيه يعرفني بس اول مرة يشرفني بالحضور ، موضوعنا النهاردة هو " قانون الجذب الفكري "
- قانون الجذب الفكري ببساطة هو قانون موجود من ايام المصريين القدماء اللي استخدموه وبعدهم الاغريق وعدد كبير من الحضارات ، القانون بيقوم على فكرة ان  عقلك بيؤثر على طاقتك الروحية من خلال تفكيرك ، بمعنى  
انه يمكنك جذب النجاح أو الفشل باستخدام  عقلك  و استدعاء الأحداث الإيجابية لأن التفاؤل والأمل وجميع المشاعر الإيجابية عبارة عن ذبذبات إيجابية تحدث داخل الروح
 
واثناء اندماجه في الشرح وقبل انتهاء المحاضرة بدقائق طلب احد الحضور السؤال فسمح له امير
 
- معنى اللي حضرتك بتقوله ان اللي بينفذ القانون دا بيوصل لكل اللي هو عاوزه ، هل معنى كدة ان حضرتك بتحقق كل اللي بتحلم بيه ومبتخسرش ، او بشكل عام يعني كل اللي بيطبقوا القانون دا مبيخسروش ؟
حاول امير ان يخفي ارتباكه من السؤال المفاجئ واستجمع قواه المستهلكة  طوال اليوم وقال : المحاضرة مش مكان للحديث عن الحياه الشخصية ، بس انا بأكدلك اؤكد لك ان تطبيق القانون بيحقق مكاسب كتير ، انتهت محاضرتنا اليوم ، ميعادنا يوم السبت في محاضرة كيفية تطبيق قانون الجذب الفكري في حياتنا  
 
انتهى اليوم ولكن توابعه لم تنتهتي  ، ولم ينتهي التفكير الذي اشتعل في رأسه ، كان يحاضر اليوم بنصف عقل والنصف الاخر كان معها ، لم يكن السؤال نفسه صادما بقدر توقيته ، فهو تعرض للمزيد من المواقف والاسئلة المحرجة  ، لكن ان يتم سؤاله عن تحقيق احلامه والخسائر التي تعرض لها بعد ساعات من مقابلة  ياسمين خسارته الكبرى بسبب انانيته وقتها  كان كفيلا ان يجعله يعيد التفكير في حياته كلها ، يقول لنفسه " اكيد سلمت عليا عشان توريني هي بقت قد ايه سعيدة بعدي ، تعرفني ان الدنيا كانت شايلة ليها الاحسن ، واني انا اللي خسرت ، مكنتش محتاجة تعمل كدة لاني عارف كويس اننا اللي خسرت  " .
 
الخميس 23 نوفمبر 2016
استيقظ امير في مزاج سيء بعد يومه المنقضي المليء بالصدف ، بدء في تحضير الطعام وكي ملابسه وفجأة توقف ، أغلق هاتفه المحمول ووضع رسالة الرد الآلي على تليفون المنزل ، قرر عدم الذهاب للعمل اليوم ، عدم القيام بأية أنشطة التي غالبا ستنتهي بالفشل او خلق المزيد من المشكلات في ظل مزاجه السيء ، قرر العودة لنوم ، بعد ساعات من النوم غير المستقر استيقظ في مزاج اسوء مما كان عليه
- اللعنة على هذا العمل ، اللعنة على حياتي كلها بتفاصيلها وعلى المواقع الاجتماعية ، أية شهرة هذه التي تجعلني حبيسا لابتسامة مزيفة وأنا بداخلي حرب من خيبات الأمل والخسائر ، ماذا يعني قانون الجذب ؟  أقنع الناس بإن التفكير الايجابي في شيء ما يجذبه إليك ، أفكر دائما في الماضي ولا يعود ، أفكر في مستقبل وأسرة لا تأتي ، هل أصبحت مدعي مثالية ، هل أبيع الوهم للناس ؟
يقاطع جرس باب الشقة كلماته لنفسه ليجد امامه عمرو أحد أصدقائه المقربين
- يابني مجتش الشغل ليه
- اية المشكلة يعني ، حصل اية لما مجتش الشغل النهاردة ؟ ، ميزان الكون اختلف مثلا و القمر هيطلع الصبح ؟
- لا انا كدة أتأكدت فعلا لا كويس ولا نيلة ؟ اعملنا حاجة تتشرب كدة واحكيلي
يقف أمير بصحبة صديقه عمرو في المطبخ أثناء تحضير أكواب الشاي
- قابلت ياسمين امبارح
- فين ؟
- في الدقي قبل المحاضرة ، اتجوزت وخلفت ، حاسس ان ربنا بيعاقبني
- بس انت برضو حياتك موقفتش انت كملت وبقى ليك جمهور بيحبك
- بيحبني ؟ بيحب امير اللي بيضحك على طول واللي عنده حلول لكل مشاكلهم ، الغريبة يا اخي اني بحل مشاكلهم وعمري ما فكرت في مشاكلي ، انا لوحدي يا عمرو ، معملتش حاجة غير شوية كلام على الفيسبوك بيجيب شوية لايكات
- شوف يا اخي الناس فاهمة انك سوبر مان وان حياتك كلها ضحك ولعب وحب من غير اي جد خالص ، لما حضرتلك مرة محاضرة تنمية  بشرية مكنتش شايف امير صاحبي قدامي ، شوفت انسان بلاستيك بيتكلم عن تجاوز المشاكل والامور الصعبة اللي انت في حياتك بتشتكي منها ، اعتقد يا امير انت مش مشكلتك ياسمين او غيرها ، انت مشكلتك نفسك ، واجه نفسك بانك بشر هتعيش مرتاح ، تعالي ننزل شوية
- انزل انت انا مش قادر ،عاوز هنام

السبت 24 نوفمبر 2016
انتهى أمير من عمله الصباحي وقرر أيضا الا يعود للمنزل على الرغم من ان السبت يعتبر من الأيام التي لا تشهد تكدس مروري ، قرر أن يذهب مرة أخرى لنفس المتجر لعله يراها ، يريد أن يثبت لنفسه أن الماضي ذهب بكل ما فيه من أشياء جميلة وأشياء محزنة ، أن يواجه نفسه ولو لمرة واحدة ولا يهرب  ، ظلت عيناه تبحث عنها دون فائدة ، وقت المحاضرة اقترب ، قرر الاستسلام ، اتجه بعدها للقاعة للبدء في المحاضرة
- مساء الخير ، اتكلمنا المرة اللي فاتت عن مفهوم قانون الجذب الفكري ، قلتلكم ان تفكيرك بإيجابية في أي شيء ممكن يخليك توصل ليه ، المفروض اننا هنتكلم النهاردة عن تطبيق القانون ، بس انا عاوز اتكلم في موضوع تاني قبل ما نبدأ .. فين الاستاذ اللي سألني في اخر المحاضرة اللي فاتت
يرفع أحد الحاضرين يده
- أنا هنا
- تمام ، سألتني المرة اللي فاتت هل اللي اللي بيطبق القانون دا مبيخسرش ، اعتقد ان اجابتي مكنتش واضحة كفاية عشان كدة قررت اجاوبك قدام كل الحضور ، بنسخر ، انا شخصيا الخسائر في حياتي اكبر من المكاسب ، لحد يوم الاربع اللي فات انا كنت بتعامل مع اللي بقوله انه كلام نظري بفيد بيه غيري ، من يومين بس كنت مصضر دايما اني اركب الابتسامة البلاستيك في وش كل الناس عشان يصدقوا اللي بقوله ، بدون اي تفاصيل عن اللي حصل اكتشفت ان الحل الحقيقي للانسان هو مواجهة مشاكله ، الحل ان الانسان يفضل انسان ، يضحك وقت ما يحب ويعيط ما يحس انه خسر حاجة تستاهل ويتعب عشان يوصل للي هو مؤمن بيه وبيحبه ، عشان كدة قررت ادرسلكم قانون الجذب بمفهوم مختلف شوية عن اللي كنا بنتكلم فيه ، قررت اني ابطل ابيع الوهم ودي اول محاضرة هبيعلكم فيها الصراحة "