الثلاثاء 16 أبريل 2024 الموافق 07 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

زواج رغم أنف الملك (4)

الثلاثاء 25/مايو/2021 - 12:21 ص

في ذكريات الملكة نازلي التي نشرها مصطفى أمين عقب ثورة 23 يوليو 1952، قال لها الصحفي المعروف إنها أخطأت بأن سمحت لابنتها فتحية بالزواج من رياض غالي، وإنها لم تجد في مصر كلها من يعطف عليها، وإن كل المصريين يلومونها ويتهمونها بأنها فقدت عقلها.

فقالت: "أنا أعقل منهم جميعـًا. إنني أعرف فاروق جيدًا. إن فاروق جرَّدني اليوم من لقب الملكة، وقريبـًا سوف يجردونه هو من لقب الملك؛ لأني أؤمن بأن أي إنسان يسيء إلى أمه سوف ينتقم منه الله! وكنت أظن أن فاروق يعرفني أحسن مما بدا لي من تصرفاته. إنه يعلم أن التاج الذي كان على رأسي لم يكن يسبب لي إلا الصداع! ولم أكن أشعر بأي سعادة لأنني زوجة ملك. وسأبقى أنا الملكة نازلي ما بقي التاريخ؛ لأنني زوجة ملك وأم ملك. أما هو فإنه مسكين، وهو يظن أنه بتصرفاته هذه يثبت للشعب أنه ملك مسلم، والشعب يعلم أنه مستهتر. وأنا أردتُ أن أرد على إساءة فاروق لي بإساءةٍ مثلها.

"قلتُ لها: إن الإساءة موجهة إلى مصر كلها!
"قالت: إنني قصدتُ الإساءة إلى ولدي العاق!

"قلتُ لها يومها: إن الشعب استنكر هذا الزواج لأن رياض غالي كان مسيحيـًا، وإن التصرف الذي تصرفته فتحية جرح شعور المسلمين، وأثار الشعب ضدك، وأؤكد لك أن كل المصريين استنكروا هذا الزواج سواء كانوا مسلمين أم أقباطـًا..

"قالت نازلي: إن اعتراض فاروق على زواج فتحية من رياض غالي لأنه كان مسيحيـًا وأسلم، في غير محله! فالإسلام لا يمنع هذا، وإنما يمنع لعب القمار والاعتداء على النساء وتمضية الليل في الكباريهات، وسرقة أموال الناس. ولو كان فاروق مسلمـًا حقيقة لما فعل شيئـًا من هذا، ولكنه يريد أن يكسب شعبية على أساس إنكار أمه وأخته. ولولا أنه شعر بكراهية الشعب له لما فعل ذلك. والدليل على هذا أنه يعلم أن شقيقته الأميرة فوقية تركت زوجها الأمير محمود فخري (باشا) لتعيش مع أمير روسي، ومع ذلك لم يجرِّدها من لقبها، ولم يغضب عليها، ولا يزال يدفع لها مخصصاتها الملكية، والسبب في هذا أن فاروق كان في ذلك الوقت محبوبـًا من الشعب، فلم يكن في حاجة إلى ضحية يفتدي بها نفسه. 

"إن قصة الأميرة فوقية يعرفها كل الناس، وقد تركت زوجها من أجل هذا الكونت، ومع ذلك لم يُحرِّك فاروق ساكنـًا! فكأن الرذيلة عنده مسألة مزاج إذا رضي تغافل عنها، وإذا غضب ارتدى ملابس حُماة الفضيلة والأخلاق!
"ولقد حدث مرة أن أعطت الأميرة فوقية مجوهراتها إلى الأمير الروسي، ثم تشاجرت معه فأبلغت البوليس الفرنسي أنه سرق مجوهراتها، وجاء الأمير إلى البوليس وأثبت أنها صديقته، وأطلع البوليس على خطابات الأميرة الغرامية.

ومع أن الأميرة فوقية هي شقيقة الملك فاروق الكبرى وهي ابنة الملك فؤاد الكبرى من الأميرة شويكار، فإن فاروق لم يُحرّك ساكنـًا.. فلا عجب إذا قلدت فتحية شقيقتها الكبرى، ولكنها هذه المرة تزوجت رجلًا أسلم!" .

في تلك المذكرات أو الذكريات التي روتها لمصطفى أمين في الولايات المتحدة في مايو من العام 1951، استطردت الملكة نازلي في حديثها الغاضب على ولدها فقالت: "وليست هذه أول مرة تتزوج فيها فتاة من أسرتنا من رجل كان مسيحيـًا وأسلم!

"فلقد جاء مصر في وقتٍ من الأوقات ضابط في الجيش الفرنسي، وكان الضابط مسيحيـًا، وهو الكولونيل سيف، والتحق بخدمة محمد علي، وأعجب به محمد علي، وجعله يتزوج من فتاة مسلمة ويعتنق الإسلام، وأصبح اسمه سليمان باشا، وقد سُمِّيَ باسمه ميدان وشارع من أكبر ميادين وشوارع القاهرة.

"وقد لا يعرف فاروق أن هذا الرجل المسيحي هو جده هو!
"جد صاحب الجلالة، الذي تبرأ من أخته لأنها تزوجت شابـًا قبطيـًا وأسلم، تمامـًا مثلما فعل جده! إن سليمان الفرنساوي هو أبو والدتي، فهو جد فاروق. 

"ولقد أرسل لي فاروق إلهامي حسين (باشا) ليحاول أن يمنع زواج فتحية برياض غالي، وقال لي فاروق إن رياض ليس من طبقة الأميرة، ولا من الأسرة الملكة.

"فقلت له: بعد خمس سنوات لن تبقى هناك أميرات ولا أسرة مالكة! وإنه لا يهمني إلا أن تكون ابنتي سعيدة مع شحاذ، لا أن تكون تعيسة مع ملك!

"وقال لي إلهامي حسين: إن الملك يهمه سعادة شقيقاته.

"فقلتُ له: إن فاروق آخر رجل يهتم بسعادة شقيقاته. لقد أخذت بناتي من مصر خشية أن يُفسد فاروق أخلاقهن".