الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

زواج رغم أنف الملك (1)

الإثنين 03/مايو/2021 - 03:09 م

في الصيف، ترتدي الجرائم ثوب البداية.

هكذا كان الأمر في المسرحية المأساوية التي لعب أدوار البطولة فيها كلٌ من الملك فاروق ووالدته الملكة نازلي، وابنتها الأميرة فتحية وزوجها رياض غالي.

ففي أواخر يونيو عام 1946 قررت نازلي السفر إلى أوروبا بحجة العلاج والراحة النفسية، ولم يكن ذلك صحيحـًا على الإطلاق، وغادرت الملكة نازلي مصر على ظهر باخرة، وبصحبتها الأميرتان فائقة وفتحية .

كانت مارسيليا، أجمل موانئ فرنسا، هى المحطة الأولى لنازلي وابنتيها.

طار خبر سفر الملكة من القاهرة إلى قنصلية مصر فى مارسيليا التى قررت انتداب أمين المحفوظات فى القنصلية، رياض غالى، ليساعد الملكة والأميرتين فى تسهيل سفرهن إلى سويسرا، وبمجرد وصول الملكة وابنتيها إلى ميناء مارسيليا، كان رياض غالى واقفـًا فى انتظارهن منذ الصباح، ما كادت الملكة تراه حتى سألته بالفرنسية: هل أنت مصري؟ 

وبحسب شهادة الكاتب الصحفي مصطفى أمين، فقد انحنى رياض غالى بين يدَى نازلي كرقم 8 وقال لها إنه مصري .

واندهشت الملكة نازلي من إجابته وقالت: غريبة، كنتُ أظنك من أميركا الجنوبية . 

ابتسم رياض غالي وسار إلى جوار الملكة، وفجأة قال لها: لقد جئتِ بالشمس معك إلى فرنسا .

فوجئت نازلي بكلام رياض وقالت: غريبة، ألم يكن عندكم شمس؟!

قال لها رياض ببساطةٍ رائعة: لقد مضت بضعة أيام بغير أن نرى الشمس، وها هي ذي تشرق مع إشراق جلالتك.

التفتت الملكة نازلي ناحية مندوب إدارة البروتوكول الذى أوفدته وزارة الخارجية الفرنسية ليكون فى استقبالها، وسألته فى جديةٍ شديدة وباللغة الفرنسية: هل ما يقول صحيح، أم أنه يجامل ؟

وقال مندوب وزارة الخارجية بالفرنسية: بل هو الصحيح يا صاحبة الجلالة .

كلَّفتْ نازلي الشاب رياض غالي بأن يعتني بحقائبها وكان عددها 36 حقيبةً، ثم سافرت إلى بلدة برن ولحق بها رياض في لوري ضخم حاملًا الحقائب.

وعندما وصلت نازلي إلى الفندق - في مدينة برن - كان في استقبالها موظفو المفوضية ولاحظوا مشهدًا مثيرًا وغريبـًا، فقد رأوا رياض ينزل من جانب سائق اللوري، ويُقدِّم نفسه على أنه رياض غالي من القنصلية الملكية في مارسيليا، ثم صعد مع الحقائب إلى جناح الملكة، وبعد أن انتهى من إدخال كل الحقائب إلى جناح الملكة قالت له نازلي: أتعبتك معي.

وفوجئت نازلي برياض وهو ينحني ويقول لها: إن هذا شرفٌ عظيم، لقد كنت أود لو أنني حملتُ كل هذه الحقائب على ظهري، إن اليوم هو أسعد أيام حياتي لأنني ركبتُ سيارة مع حقائب الملكة .

فرحتْ نازلي بما تسمعه وسألته: ما اسمك؟

ولدهشتها سمعته يقول لها: خادمكِ رياض غالي.

التفتت نازلي ناحية الأميرة فتحية، وقالت لها بالفرنسية: كم هو مؤدب!

وهنا تقدَّم رياض ليستأذن من الملكة في الانصراف قائلًا: كنتُ أودُّ أن أبقى طوال حياتي خادمـًا لك هنا، ولكنني مضطر لأن أعود إلى وظيفتي في مارسيليا.

وببساطةٍ شديدة قالت له نازلي: ابق هنا يومـًا أو يومين.

اعتذر رياض لها بأن الأوامر تقضي بأن يعود، وفوجئ بالملكة تحسم الأمر بقولها: أنا أصدرت الأوامر بأن تبقى،
وبالفعل بقي رياض.

ويقول مصطفى أمين: إن وزارة الخارجية كانت قد حددت لرياض خمسة جنيهات كبدل سفر ما دام في خدمة الملكة، لكنه أخفى ذلك عنها، وقال إنه قرر البقاء ليكون في شرف خدمتها.

حرص رياض على استخدام أبرز مواهبه وهي شدة التأنق، ورشاقة الرقص، وبراعة البروتوكول، والخنوع حتى التمكن.

أُعجِبت نازلي بلياقة الشاب ونشاطه فطلبتْ السماح له بمرافقتهن إلى سويسرا، وبدأ الشاب في التقرب إلى قلب وثقة الملكة الكبيرة، والتغزل بشبابها الضائع ورفع روحها المعنوية بعد أن فقدتْ زوجها الثانى أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى . 

وبعد طرده من وزارة الخارجية، أصرت نازلي على إلحاق رياض في حاشيتها كسكرتير خاص لها براتبٍ شهري قدره مئة جنيه، وأرسلت خطابـًا شديد اللهجة إلى فاروق تتهمه فيه بالظلم والاستبداد، وتقول له: إن رياض غالي لن يموت من الجوع وإنها ستدفع له أضعاف مرتبه.

ومن سويسرا انتقلت نازلي إلى الولايات المتحدة، حيث أجريت لها عملياتٌ جراحية، في الوقت الذي كان الملك فاروق يرسل إليها بين الحين والآخر طالبـًا إليها أن تعود إلى مصر فكانت تعتذر، ثم راحت تصرح برفض العودة نهائيـًا، ما جعل الملك يكلف سفير مصر في واشنطن بمحاولة إقناعها بالعودة، فأصرت على الرفض .