الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

صندوق السما

الخميس 01/أبريل/2021 - 09:46 م

اتممت الأربعين عاما منذ شهور، لم تكن مفاجئة هذا العام سعيدة بالمرة، فأنا بعيدة عن بيتي بعدة كيلومترات ولكنني أشعر بيني وبين نفسي أنني بعيدة آلاف الأميال، عن أسرتي الصغيرة، أبني وزوجي، سريري ووقفة المطبخ التي أعشقها، استيقظ منذ شهور فى هذه الغرفة التى يكسوها اللون الأبيض وصوت العصافير التي تشدو بأنغامها احتفالا بظهور الشمس فى كل صباح ، قديما كان صوت العصافير يبعث فى قلبى السعادة أما الآن فأننى أشعر بشجن وحزن غريب، اشتياق، لماذا ؟ لا أعلم .

الخميس الأول من أبريل
استيقظت وانتهيت من فطورى الصحى المفروض عليا، وقعت عيني فجأة على صندوق خشبي صغير، لم يفارقنى هذا الصندوق منذ ثلاثة عقود، كنت صاحبة عشرة أعوام عندما أهداه لي أبي، أين أنت الآن يا أبى ؟، اشتقت لك كثيراً، كان يدللنى ويجلب لى الحلوة بمناسبة ودون مناسبة وعندما اسأله بعقلي الطفولي "هل كل الأباء يحبون بناتهم لهذه الدرجة ؟ " يقول لي" هم يحبون بناتهم ولكن ليس مثلى، أنا اعتبرك هدية الله لي يا جميلة "لم يرزق أبى بأبناء حتى سن متقدم، حتى أتيت أنا إلى الدنيا، تذكرت عندما وقعت عينى على الصندوق، كان يضفر شعرى وأعطاه لى وقال "أحبك كثيرًا يا جميلة، هذا الصندوق هدية، فى أى وقت أكتبى لى وضعى الورقة فى هذا الصندوق سأشعر بكى". 

قال أبى وقتها حديثا لم افهمه، تحدث عن إرادة الله وعن الفراق وعن اللقاء الأبدى، ماذا تعنى كلمة فراق؟ هل تعنى أنه غضبان منى؟ لا يا أبي أنا لا أستطيع أن أغضبك وألا نتحدث سويا.. هل ها عكس الحب؟ هل لم يعد أبى يحبنى ولهذا قرر الفراق؟.. كبرت وتعلمت معنى الكلمة بعد أن فارقنى والدى بعدها بشهور بالمرض اللعين، لا تكفى لعنة واحدة على المرض بل آلاف اللعنات، منذ هذا الوقت وأنا أخاف من كلمة "فراق"

من وقتها وانا أكتب لوالدى، وقررت فجإة اليوم أن افتح هذا الصندوق واقرأ ما كنت أكتبه..
 
"أحبك جدا يا أبى، لماذا لا تأتى لنلعب سويا مرة أخرى"
"أنام مبكرًا وأذاكر دروسى جيدًا حتى ترضى عنى"
"حصلت على الثانوية العامة يا حبيبي وقررت أن أدرس الترجمة، أعلم أنك تعشق الأفلام الإنجليزي، سأترجمها لك"
"لا اعلم ماذا افعل، زميل لى يقول انه معجب بى، أصارحك يا أبى أنا أيضا أبادله نفس الشعور، عيناه تشبه عيناك، لكنك اجمل بالتأكيد فأنا أعلم أنك تغير علي"
"تخرجت يا أبي، أحضر لحفل زفافى، كنت أتمنى أن تزفنى يداك إلى زوجى، لكنك معى وبداخلى دائما"
"رزقت بمولود يا والدى.. اسميته عزيز على أسمك، أصبح لدى عزيزين الآن"
"أعانى من آلام شديدة يا أبى، يقولون الأطباء أن الأمل فى الشفاء ضعيفا لكنه موجود.. أشعر بإقتراب اللقاء..."
 
يقاطع انشغالها بما كتبت لوالدها جرس هاتفها المحمول
- الو ، وحشتنى يا عزيز
- وانتى كمان يا ماما، انا بكتبلك كل يوم وبحط الورقة فى الصندوق بتاعى.. تعالى بقى وحشتينى    
 
- طرق علم باب الغرفة 
الممرضة: مستعدة ؟  ميعاد جلسة الكيماوى دلوقتى