عاجل| مشروبات الطاقة بين الوهم والحقيقة.. خبير كيميائي يحذر من مخاطر صحية جسيمة على الشباب
حذرت الدكتورة ماهيتاب فرغلي، خبير الكيمياء الحيوية بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، من الانسياق وراء الدعاية الواسعة لمشروبات الطاقة، مؤكدة أن هذه المشروبات تستهدف فئة كبيرة من المراهقين والشباب من خلال عبوات جذابة وألوان لامعة وشعارات تسويقية مغرية تقوم على كلمة «الطاقة»، في وقت يعاني فيه كثيرون من قلة النوم وضغوط المذاكرة والعمل والبحث عن التركيز والنشاط السريع.
مشروبات الطاقة بين الوهم والحقيقة
وأوضحت الدكتورة ماهيتاب فرغلي، خلال حلقة برنامج "رؤية"، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس، أن مشروبات الطاقة لا تمنح طاقة غذائية حقيقية كما يعتقد البعض، بل هي في الأساس مشروبات غازية صُممت لإحداث تنبيه مؤقت للجهاز العصبي، حيث تعتمد بشكل رئيسي على كميات كبيرة من الكافيين، قد تعادل العبوة الواحدة منها ما بين ثلاث إلى أربع أكواب من القهوة، إلى جانب احتوائها على نسب مرتفعة من السكر تتراوح ما بين 21 إلى 34 جرامًا في العبوة الواحدة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع سريع في مستوى السكر في الدم يعقبه هبوط حاد يترك الجسم في حالة إرهاق أشد مما كان عليه قبل تناولها.
وأضافت أن هذه المشروبات تحتوي أيضًا على إضافات مثل الجوارانا والتاورين، وهي مستخلصات نباتية أو أحماض أمينية يُروّج لها على أنها تحسن الأداء والتركيز، إلا أن الأدلة العلمية المؤكدة على فعاليتها ما زالت محدودة، كما تُضاف إليها فيتامينات من مجموعة «ب» في إطار تسويقي يوحي بأنها منتجات صحية، بينما الحقيقة أن الجسم لا يحصل منها على أي طاقة غذائية حقيقية، وإنما مجرد تنبيه عصبي مؤقت يعقبه ما يُعرف بحالة «الانهيار» أو الـCrash.
وتطرقت خبير الكيمياء الحيوية إلى الخلفية التاريخية لمشروبات الطاقة، موضحة أن المشروبات المنبهة المعتمدة على الكافيين ظهرت في أوروبا وآسيا منذ ستينيات القرن الماضي، لكن الشكل التجاري المعروف حاليًا بدأ مع إطلاق أحد أشهر المنتجات في النمسا عام 1987، ثم انتشر في أمريكا الشمالية عام 1997، لتتحول الصناعة لاحقًا إلى سوق عالمي يدر مليارات الدولارات سنويًا.
ونبّهت الدكتورة ماهيتاب فرغلي إلى وجود خلط شائع بين مشروبات الطاقة والمشروبات الرياضية، مؤكدة أن الفرق بينهما كبير وواضح، فالمشروبات الرياضية والمكملات مثل البروتين والكرياتين والأحماض الأمينية تُستخدم لتعويض السوائل والأملاح التي يفقدها الجسم أثناء التمرين، وتكون جزءًا من برنامج غذائي مدروس وتحت إشراف متخصص، بينما مشروبات الطاقة ليست مكملات غذائية ولا تعوض الجسم عن أي عناصر مفقودة، وإنما هي منبهات قوية تحتوي على كميات عالية من الكافيين والسكريات، مغلفة بشكل تسويقي يوحي بأنها مصدر للطاقة.
وحذرت من الأضرار الصحية المتعددة لمشروبات الطاقة، موضحة أن الإفراط في تناولها يؤدي إلى زيادة الوزن والسمنة، ويرفع خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، كما أن الكافيين المرتفع فيها يقلل من حساسية الإنسولين ويؤثر سلبًا على عملية التمثيل الغذائي، فضلًا عن زيادة ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، مشيرة إلى تسجيل حالات احتشاء في عضلة القلب لدى شباب أصحاء بعد الاستهلاك المزمن لهذه المشروبات، إضافة إلى تأثيرها المدر للبول الذي يزيد من خطر الجفاف، خاصة مع بذل مجهود بدني وفي الأجواء الحارة.
كما أشارت إلى الأضرار النفسية والعصبية، حيث يزيد الاستهلاك المنتظم من احتمالات القلق والاكتئاب واضطرابات النوم والأرق المزمن، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى التهيج والعصبية الزائدة، بل ونوبات صرع أو هلوسة عند الإفراط الشديد. وأكدت أن لهذه المشروبات آثارًا سلوكية خطيرة، إذ ترفع مستويات الدوبامين في المخ بما يؤدي إلى الاندفاع واتخاذ قرارات متهورة، لافتة إلى خطورة خلطها بالكحول، حيث يمنح الكافيين إحساسًا زائفًا باليقظة بينما يثبط الكحول الجهاز العصبي، ما يفقد الشخص القدرة على تقدير حالته الحقيقية ويضاعف مخاطر الحوادث.
وأضافت أن الاعتماد على مشروبات الطاقة قد يتحول إلى نوع من الإدمان، حيث يحتاج الشخص إلى جرعات متزايدة لتحقيق نفس التأثير، ومع محاولة التوقف تظهر أعراض انسحابية مثل الصداع الشديد والتعب وفقدان التركيز، وقد يتطلب الأمر في بعض الحالات تدخل مختصين في الرعاية الصحية أو علاج الإدمان.
وأكدت الدكتورة ماهيتاب فرغلي أن استمرار الاعتقاد بفائدة مشروبات الطاقة يرجع إلى مغالطات شائعة، من بينها اعتبارها مصدرًا حقيقيًا للطاقة، أو الاعتقاد بأنها آمنة لكل الأعمار، أو أنها تحسن الأداء الرياضي، أو أنها تخضع لرقابة صارمة، مشددة على أن الأطفال والمراهقين هم الأكثر عرضة لمخاطرها بسبب حساسية الجهاز العصبي وعدم اكتمال نمو القلب.
وأكدت على أن الوقاية تبدأ بالوعي، مشيرة إلى أن النوم الكافي من سبع إلى ثماني ساعات، وشرب المياه بانتظام، والتغذية المتوازنة، وممارسة النشاط البدني اليومي، هي مصادر الطاقة الحقيقية والمستدامة، داعية إلى دور فاعل للأسرة والمدرسة والجامعة في نشر الوعي الصحي، ومؤكدة أن مشروبات الطاقة تمنح دفعة مؤقتة وإحساسًا لحظيًا، لكنها تسلب الصحة على المدى الطويل، وأن القوة الحقيقية ليست في عبوة مشروب، بل في نمط حياة صحي ومتوازن.





