رحلة فنية خالدة: فيلم الست لأم كلثوم

هناك أشخاص لا يموتون، بل يخلدون ذكراهم في هذا العالم ويتركون إرثًا فنيًا وثقافيًا ووطنيًا يذكر عبر الأجيال، ويعيشون في قلوب وأذهان الناس بطيفهم حتى لو رحلوا بالجسد.. كانت "الست" واحدة من هؤلاء الأشخاص، عن كوكب الشرق أم كلثوم أتحدث، وتجسيد الفنانة منى زكي لشخصيتها في فيلم الست . 

فيلم الست

منى زكي فنانة كبيرة وموهوبة أبدعت في تجسيد شخصية أم كلثوم.. الفيلم من إخراج مروان حامد وتأليف أحمد مراد وإنتاج مشترك بين مصر والسعودية.. تناول الفيلم كل مراحل حياة أم كلثوم وأهم محطاتها بين صعود وهبوط وفقد وحب وعشق ومجد وأسرار وتفاصيل تكشف لأول مرة.. بالتقنيات الحديثة واستخدام فلاش باك ودعم المشاهد ببعض الوثائقيات بصوت أم كلثوم وعرض بعض مذكراتها وتصريحاتها الحقيقية، أصبح الفيلم كأنه تجسيد واقعي مدعوم بحبكات درامية عميقة.

لقب كوكب الشرق لم يأتِ من فراغ، لأنها كانت صوت مصر وسيدة العرب وملهمة الشعراء والكتاب وملهمة لأصغر جندي في الجيش المصري، تتلقى رسائل من الجنود يخبروها أنهم يتشجعون بصوتها.. كانت رمزًا للصمود والوطنية، رغم مرضها وتقدمها في العمر، قامت بجولة لعدة دول وغنت وجمعت مبالغ ضخمة وخصصتها للمجهود الحربي لمساندة الجيش المصري بعد نكسة 1967 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

الفيلم سلط الضوء على أن أم كلثوم لم تنافق كما اتهمها البعض عندما مدحت الملك فاروق في عهده في بعض أغانيها عندما كرمها بنيشان الكمال ثم أيدت مجلس قيادة الثورة بعد ذلك، لأنها لم تدلِ بأي تصريح لتأييد مجلس قيادة الثورة كما فعل كثير من الفنانين، حتى استدعاها مجلس قيادة الثورة لتغني أمامه إيمانًا بقيمتها وقامتها الفنية ومن ثم غنت في حب مصر وأيدت إرادة الشعب ولاقت إهتمام بالغ من الرئيس عبد الناصر.

الفيلم جسد حقبة مصر الملكية برونقها وفخامتها التي رأت فيها أم كلثوم مجدها، والحقبة الجمهورية التي عادت فيها أم كلثوم بقوة من جديد بعد فترة من الركود والانعزال وأصبحت فيها رمز وطني قوي.. جسد الفيلم أدوار لشخصيات بارزة مثل الملك فاروق والملكة نازلي والرئيس جمال عبد الناصر والملك حسين والشخصيات البارزة التي قدرت فن أم كلثوم واعتبرته صوت تخطى حدود زمنه.

لا مقارنة بين الفيلم ومسلسل أم كلثوم للفنانة صابرين عام 1999 مسلسل صابرين كان ابن زمنه وكان سبقًا بإمكانيات وتقنيات ذلك الزمان .... أما الفيلم في 2025 يعتبر من أروع وأعظم الأعمال الضخمة لهذا العام .

من مثل أم كلثوم لا يموتون لأنهم خالدون بما تركوا من إرث فني عظيم يتناقل عبر الأجيال.. أم كلثوم الفتاة القروية التي كانت طفلة متنكرة في زي صبي ومنشدة في مدح الرسول بدعم والدها، أصبحت أهم وأكبر مطربة في مصر والوطن العربي بل والعالم، وكانت جنازتها واحدة من أكبر جنازات أقيمت في مصر بعد الرئيس عبد الناصر.. كانت مؤمنة وقارئة للقرآن، بإيمانها وصمودها وإصرارها صعدت سلالم المجد حتى بلغت قمة المجد، ولا شك أن الشهرة أخذت منها أشياء أخرى في المقابل كالصحة بالمرض وكالإنجاب بالحرمان من الأطفال.

تحية لصناع الفيلم وتحية للفنانة منى زكي التي توجت تاريخها الفني بدور قوي وصعب وعميق وعظيم مثل هذا الدور.. وتحيا مصر، البلد الولادة للفن والفنانين.. ما يدعو للفخر أن مصر أنجبت رموزًا فنية ذات قيمة وقامة مثل أم كلثوم.. صوت مصر القوي والرخيم والمميز الذي سيظل خالدًا عبر الأجيال ولن يتكرر.