دراسة : 3% من سكان العالم يصابون بالاضطراب العاطفي في الخريف
مع بداية الخريف، يشعر كثيرون بتغير المناخ وثِقَلٍ في المزاج. لذلك ارتبط الخريف منذ القدم بوصفه فصل المشاعر، حيث تختلط الحيرة بالحنين، وتتمازج الحياة بعمق ،وتشير المكتبة الوطنية الأميركية للطب إلى أن ما يعرف بـ الاضطراب العاطفي الموسمي ليس مجرّد خيال أدبي، بل حالة نفسية موثقة تظهر غالباً في الخريف والشتاء، عندما تتقلص ساعات النهار ويبهت ضوء الشمس. ففي هذه الفترة ينخفض إفراز السيروتونين المسؤول عن الشعور بالسعادة، بينما يزداد إفراز الميلاتونين المرتبط بالنعاس، فيبدأ المزاج بالانحدار تدريجياً.
وتؤكد مراجعة علمية نُشرت في المجلة الطبية المركزية للأبحاث الحيوية عام 2021 أن قلة التعرّض للضوء الطبيعي تربك الساعة البيولوجية وتزيد قابلية الفرد للحزن والخمول، إلا أن العلماء يشيرون إلى إمكانية مواجهة هذه الحالة بطرائق بسيطة وفعّالة. ووفق الإحصاءات الطبية، يصيب الاضطراب الموسمي ما بين 0.5% إلى 3% من سكان العالم.
وفي دراسة بعنوان «الموسمية وتأثيرها في المزاج والعاطفة» نشرت عام 2020، تبيّن أن الأشخاص الذين يقضون وقتاً أطول في الهواء الطلق خلال الخريف يشعرون بطاقة أعلى من أولئك الذين يلازمون الأماكن المغلقة؛ فالضوء لا ينعش الجسد وحده، بل يذكّر الإنسان بأنه جزء من إيقاع الطبيعة المتجدد.
فقد أظهرت دراسة يابانية حديثة نُشرت عام 2022 في مجلة العلوم البيئية والطبية أن النظر إلى مشاهد الغابات الخريفية الملونة يخفض ضغط الدم ويُقلّل القلق. وسمّى الباحثون الظاهرة «تأثير أوراق الخريف»:
أما دراسة نُشرت عام 2025 في مجلة الطب النفسي للشرق الأوسط، فخلصت إلى أن النشاط البدني الخفيف—كالمشي المنتظم أو اليوغا—يساعد على التخفيف من أعراض القلق والاكتئاب الموسمي، لكونه يحفّز إفراز الإندورفين، وهو الهرمون الطبيعي للسعادة. وأكّدت الدراسة كذلك أهمية العلاقات الاجتماعية؛ فالعزلة تجعل ظلال الخريف أعمق، بينما تمنح اللقاءات العائلية والأنشطة المشتركة الفصول معناها الإنساني.
كيف نُحفّز أنفسنا من الداخل؟
التحفيز ليس تجاهلاً للحزن ولا ادعاءً للقوة، بل هو فهم لما يجري في الداخل والتعامل معه بلطف. ولهذا يبحث الناس حول العالم عن تفاصيل صغيرة تضيف الدفء إلى أيامهم.
فمنهم من يبدأ صباحه بفنجان قهوة على شرفةٍ غمرها الضوء، كأنما يعلن لنفسه أن النهار يستحق ابتسامة. وآخرون يلجؤون إلى الكتابة، يدوّنون مشاعرهم في دفتر خريفي يحوّل الصمت إلى كلمات. وهناك من يكتفي بإضاءة شمعة، أو بنثر رائحة القرفة في أركان المنزل، أو بتشغيل موسيقى هادئة تعيد للروح إيقاعها.
هذه الطقوس الصغيرة لا تغيّر الفصول، لكنها تغيّر نظرتنا إليها، فتصنع من الخريف فسحةً للسكينة بدلاً من الانطفاء. وتشير تقارير نشرت في مجلة علم النفس اليوم الأميركية إلى أن هذه الممارسات البسيطة تعيد برمجة الدماغ ليربط الخريف بالراحة لا بالكآبة، فيتحوّل إلى موسم لإعادة التوازن والتأمل.
كما تُظهر دراسة نُشرت في مجلة نيتشر عام 2024 أن المزاج الإنساني يتفاعل مع تغيّر الفصول بطرق مختلفة، ولا وجود لنمط واحد يناسب الجميع. فالشخص الذي يفهم طبيعته ويتعامل بوعي مع الضوء والغذاء والحركة، يستطيع تجاوز تأثيرات الفصول دون أن يفقد اتزانه الداخلي