الإبادة الإنجابية.. حين تتحول الأرحام في غزة إلى ساحة حرب (تقرير)
تخيّل غرفة ولادة بلا ضوء، يضيئها فقط وهج هاتف محمول يحمله مسعف يده ترتعش، امرأة تصرخ من الألم، جراحها تتسع مع كل لحظة، بينما الطبيبة تحاول أن تُجري العملية بلا أدوات تعقيم، بلا تخدير، وبلا جهاز إنعاش للطفل المنتظر، في زاوية الغرفة، أم أخرى تراقب مصيرها بصمت بعد أن فقدت جنينها قبل ساعات، والدموع تجفّ على وجهها وهي تدرك أن طفلها لم يكن ضحية مرضٍ أو خطأ طبي، بل ضحية حرب تستهدف الرحم كما تستهدف البيت.
خارج المستشفى، أب يحمل طفلا وُلد قبل موعده بأيام، يركض بين الشوارع المهدّمة بحثًا عن حاضنة لم تعد موجودة. وفي مشهد آخر يختصر المأساة كلها، يُنتَزع طفل صغير من بطن أمه التي قتلتها الغارة، يُولد يتيمًا قبل أن يفتح عينيه على الحياة؛ أمه تحت التراب وأبوه كذلك، ليبدأ رحلته بلا حضن ولا بيت، في وطن يُحاصر حقه في الوجود منذ اللحظة الأولى.
المعاناة اليومية.. ولادة في قلب الكارثة
في غزة اليوم، لا تقتصر المأساة على الأجساد الممزقة تحت الركام، بل تمتد إلى الأرحام التي تُحاصر وتُستهدف عمدًا، إنها حربٌ لا تسعى فقط لقتل من وُجد، بل لمحو من لم يُولد بعد.
وفقًا لتقارير عربية ودولية، لم يعد العدوان الإسرائيلي على غزة مقتصرا على تدمير الأبراج السكنية والبنى التحتية المدنية، بل امتد ليطال المرافق الصحية المخصّصة لرعاية النساء والأطفال، استهداف وحدات الولادة والتخصيب الصناعي فجّر جدلاً واسعًا حول ما بات يوصف بـ"الإبادة الإنجابية"، أي تقويض القدرة الديموغرافية الفلسطينية على الاستمرار.
استهداف ممنهج للمرافق الطبية
وثقت هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر يناير 2025 أن القصف الإسرائيلي والحصار أديا إلى انهيار شبه كامل في خدمات الولادة؛ إذ باتت الرعاية الطارئة متاحة فقط في 7 من أصل 18 مستشفى و4 من أصل 11 مستشفى ميدانيًا، بينما تعرّضت مراكز التخصيب الصناعي للتدمير الكامل وفقدت آلاف الأجنة والبويضات المجمدة بسبب انقطاع الكهرباء.
خبراء الأمم المتحدة أكدوا في مارس أن استهداف مرافق الرعاية الإنجابية، بما فيها مراكز التخصيب وأقسام الولادة، يشكّل "أفعال إبادة جماعية" متعمدة ضد الفلسطينيين.
شهادات نساء من غزة تكشف تفاصيل مأساوية
أم وضعت طفلها في ظل غياب الممرضات والأدوية، واضطرت لتغيير الفوط بنفسها رغم النزيف الحاد، و نساء أُجبرن على الولادة في ملاجئ أو منازل مهدمة بلا كهرباء أو تجهيزات طبية.
إلى جانب ارتفاع معدلات الإجهاض ووفيات الأمهات والرضّع، في وقت تُسجّل فيه مستشفيات غزة عجزًا حادًا عن توفير الحاضنات أو أدوية التخدير.
الجسد كمعركة ديموغرافية
يرى باحثون أن ما يحدث يتجاوز كونه "أثرًا جانبيًا للحرب" إلى سياسة تستهدف تعطيل النمو الطبيعي للمجتمع الفلسطيني. ففي مقالة منشورة بمجلة Journal of Palestine Studies، حذّر خبراء من أن تدمير البنية الصحية الخاصة بالنساء يشكّل نوعًا من "قتل الإنجاب" (Reprocide)، وهو استراتيجية لإفقار الفلسطينيين ديموغرافيًا.
البعد القانوني والحقوقي
شددت لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة على أن "استهداف المرافق الصحية الخاصة بالنساء جزء من هجوم واسع النطاق ضد السكان المدنيين قد يرقى إلى جرائم إبادة جماعية" (The Guardian).
واعتبرت منظمة العفو الدولية أن ما يحدث هو "تجسيد صادم لاستخدام الصحة الإنجابية كسلاح حرب"، ودعت إلى تحرك عاجل لحماية النساء الفلسطينيات.
كما يشير خبراء قانون دولي إلى أن هذه الممارسات تنتهك اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي، مما يجعلها خاضعة لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
الجسد الأنثوي شاهد على الصراع
ليست الحرب على غزة مجرد أرقام عن الضحايا أو صور للدمار؛ إنها حرب على المستقبل الفلسطيني نفسه، حين تتحول الولادة إلى فعل مقاومة، يصبح الجسد الأنثوي شاهدًا على أن الصراع تخطى حدود الأرض ليطال الحق في الوجود. الإبادة لم تعد فقط مادية، بل إنجابية، تسعى إلى محو الأجيال القادمة قبل أن تولد.
وفقًا لتقارير عربية ودولية، لم يعد العدوان الإسرائيلي على غزة مقتصرا على تدمير الأبراج السكنية والبنى التحتية المدنية، بل امتد ليطال المرافق الصحية المخصّصة لرعاية النساء والأطفال، استهداف وحدات الولادة والتخصيب الصناعي فجّر جدلاً واسعا حول ما بات يوصف بـ"الإبادة الإنجابية"، أي تقويض القدرة الديموغرافية الفلسطينية على الاستمرار.
استهداف ممنهج للمرافق الطبية
أكد خبراء الأمم المتحدة في مارس أن استهداف مرافق الرعاية الإنجابية، بما فيها مراكز التخصيب وأقسام الولادة، يشكّل "أفعال إبادة جماعية" متعمدة ضد الفلسطينيين.





