الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

مؤشرات توتر عالمي: هل هناك حرب قادمة غير معلنة للشعوب؟

الأحد 07/سبتمبر/2025 - 07:49 م
الصين وروسيا في مواجهة
الصين وروسيا في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية

شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلة من الأحداث والرسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية التي اعتبرها مراقبون مؤشرات على مرحلة عالمية أكثر توتراً، تمتزج فيها العروض العسكرية بالتصريحات الرمزية، وتتقاطع مع استعدادات مدنية وصحية غير مسبوقة في أوروبا.

قمة عسكرية في بكين.. استعراض قوة إقليمي

في عرض عسكري ضخم بالعاصمة الصينية بكين، ظهر الرئيس شي جين بينغ إلى جانب نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والكوري الشمالي كيم جونغ أون، في مشهد حمل دلالات استعراض قوة وتضامن إقليمي.
القيادة الصينية وصفت القوة العسكرية بأنها "مكرسة من أجل السلامة"، فيما أثارت تصريحات جانبية حول قضايا مثيرة مثل زراعة الأعضاء وإطالة العمر تغطية إعلامية واسعة، لكنها وُصفت من خبراء بأنها "مبالغات علمية" أو "رمزية دعائية" أكثر من كونها خططاً عملية.

دعوة ترامب لبوتين إلى ألاسكا واستعراض الطائرات الحربية: رسالة قوة غير معلنة

في 15 أغسطس 2025، قدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعوة علنية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعقد اجتماع في ألاسكا، وهو ما تكلل بقاء بوتين على الأراضي الأمريكية للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، وسط أجواء مشحونة بالتوتر والدبلوماسية الرمزية. 

الحدث انعقد في قاعدة Joint Base Elmendorf-Richardsonفي أنكوراج بألاسكا، وتم استقباله بطابع عسكري درامي: تم فرد السجادة الحمراء، ووُضعت منصة تحمل شعار “ALASKA 2025” تحتها أربعة مقاتلات F-22 Raptor فيما كانت سماء القاعدة تسطع بمرور طائرة B-2 Spirit (قاذفة شبح)، برفقة أربع مقاتلات F-35في تحليق دفاعي متقدم .

هذا الاستعراض العسكري الغني بالتفاصيل الأمنية فاق مجرد شكلٍ بروتوكولي؛ إذ مثل رسالة رمزية قوية: الولايات المتحدة لا تُظهِر استعدادها للحوار فقط، بل تؤكد قدرتها على الاستعراض العسكري المتطور في ذروة التوتر.

وتعد الـF-22 أحد أكثر المقاتلات السرية تطورًا وهي محرّمة التصدير، أما الـB-2فهو قاذفة قادرة على تنفيذ ضربات نووية أو تقليدية عبر رحلات طويلة دون توقف، ما يجعل المشهد محمّلًا بدلالات الردع واللغة القوية .

بموازاة ذلك، نقلت وسائل إعلام عن مراقبين أن السماح لوسائل الإعلام الروسية بالدخول إلى القاعدة وتصوير تلك المعدات الحساسة أثار قلقًا حول إمكانية كشف معلومات تقنية دقيقة عن قدرات عسكرية أمريكية مطوَّرة . 

وانتهى اللقاء بلا بيان رسمي أو إعلان اتفاق، لكن رمزيته كانت واضحة: استعراض للقوة المتطورة في وقت تحتاج فيه الاحتياطات الأمنية إلى أكبر درجة ممكنة .

قرار ترامب إعادة تسمية «وزارة الدفاع» إلى «وزارة الحرب» دلالات وردود الخبراء

البيت الأبيض أصدَر أمرًا تنفيذيًا (5 سبتمبر 2025) بإعادة تسمية البنتاغون إلى وزارة الحرب «Department of War» كاسم ثانوي وسمح لوزير الدفاع باستخدام لقب «Secretary of War» في مراسلات ومواد تنفيذية — خطوة نفذت بشكل رمزي وسريع على وسائل حكومية وأثارت صخبًا إعلامياً. ومع ذلك، تغيير الاسم القانوني الرسمي يبقى من صلاحية الكونغرس، ولا يمكنه (قانونياً) أن يُلغَى أو يُعيد تسميته بقرار تنفيذي منفرد. 

ماذا قالت CNN وخبراؤها؟

 تغطية CNNركزت على أن الإجراء «رمزي» لكنه مهم سياسياً؛ محللون اعتبروا أن الهدف هو إرسال رسالة بقوة هجومية وإعادة بناء «خطاب استعراضي» يهدف لإظهار مرونة وقوة عسكرية، بينما خبراء قانونيون ودفاعيون يحذرون من أن الخطوة قد تضر بالشرعية المؤسسية وتشتت الانتباه عن قضايا أكثر أهمية (التأمين اللوجستي، التحديث العسكري). بعض المحللين ربطوا هذا النوع من الرمزية بنظرية ردع «الجنون» (madman theory) — أي استخدام الإيحاء بالقوة لردع الخصم. 

تفسيرات الخبراء لـ CNN …. لماذا الآن؟

تفسيرات الخبراء على CNN ووكالات أخرى شملت، رغبة سياسية في إظهار صرامة أمام منافسين كـ (روسيا/الصين)، استجابة لمناخ أمني متوتر عالميًا، واستفادة داخلية سياسية من لغة «القوة» قبل أو أثناء ملفات سياسية داخلية. البعض رأى أن التوقيت مرتبط بالرغبة بالهيمنة الرمزية في زمن تُعاد فيه قراءة التوازنات الدولية.

إيران تعلن صواريخ جديدة

في 20 أغسطس 2025، أعلن وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده خلال فعالية "يوم الصناعات الدفاعية" أن بلاده أنتجت صواريخ جديدة بقدرات متفوقة مقارنة بما كانت تملكه سابقاً، وأكد سيُستخدمها في حال شنّت إسرائيل هجوماً جديداً على إيران. 

في نفس التوقيت تقريباً، سمح لوسائل الإعلام بالحديث عن بناء مرافق لتصنيع الأسلحة في دول أخرى دون تحديد مواقعها، وهو ما يثير تساؤلات عن تحويل الصناعات الدفاعية إلى الخارج وتوسيع النطاق الجغرافي للإنتاج العسكري.

يوم 4 سبتمبر 2025، قال نائب وزير الخارجية الإيراني إن "احتمالات نشوب حرب جديدة مع إسرائيل واردة وكبيرة"، فيما أكّد وزير الخارجية أن بلاده لن تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الوقت الراهن إلا بعد استكمال المفاوضات. 

في 3 سبتمبر 2025، أعلنت وكالة الطاقة الذرية أن إيران رفعت مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى مستويات تصل إلى 60%، مخزون تعدّ كميات تكفي عمليّاً لإنتاج عدد من القنابل النووية، وهو تطوّر يعزز من تهديداتها العسكرية المحتملة.

فرنسا وتوجيه المستشفيات للتحضير لاستقبال آلاف الجرحى بدءًا من 2026 — معيار احتياط أم إشارة صادمة؟

وزارة الصحة الفرنسية عممت توجيهات على المستشفيات لرفع جاهزية لمعالجة حالات إصابات واسعة في حال سيناريو تصاعد عسكري كبير، وحددت مهلة تحضيرية بحلول مارس 2026 وفق تقارير صحفية نقلت عن مراسلات داخلية أو تسريبات.

المصادر الأوروبية ووسائل إعلام تناولت الموضوع كإجراء احترازي قائم على سيناريوهات تخطيط الطوارئ (contingency planning). الإعلام المتنوع طرح تساؤلات: هل هذا تحضير عادي للدفاع المدني أم انعكاس لقلق أعمق من احتمال تصاعد نزاع أوروبي؟ 

التغطيات تميل لتقديم توازن: الحكومة تقول استباقي ووقائي، بينما بعض المحللين يصفون اللغة بأنها «استثنائية» ومؤشرًا إلى مستوى قلق أعلى من المعتاد. 

تغيير موازين القوى في أوروبا ورفض بعض الدول تزويد إسرائيل بأسلحة — بالتزامن مع «أساطيل الصمود» وتهديدات كسر الحصار

على مستوى الاتحاد الأوروبي وبعض البلدان (ألمانيا كمثال بارز)(أغسطس 2025) ظهر تراجع أو قيود على تسليم أنواع محددة من الأسلحة لإسرائيل بسبب مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان وخشية من الاستخدام في عمليات داخل قطاع غزة. 

على الجانب الآخر، برزت محاولة تنظيمات ومنظمات لدعم محاولات بحرية أو قوافل لإيصال مساعدات إلى غزة، وبعضها يطمح لكسر الحصار عبر أساطيل مدنية (flotillas) وتطلب حماية أوروبية. 

وقف أو تشديد صادرات الأسلحة من دول أوروبية الكبرى يعد تحولًا مهمًا في موازين الدعم العسكري، ويعكس ضغطًا داخليًا وشعبياً وحقوقياً. هذا بدوره يفتح مساحات لجهات مدنية أو مناصرة لتعبئة أساطيل أو مبادرات لكسر الحصار، ومعه تنشأ تهديدات وتصعيدات دبلوماسية واحتمالات مواجهة بحرية أو تعطيل لخطوط بحرية/لوجستية.

العقوبات الاقتصادية.. حرب باردة بثوب جديد

العقوبات على روسيا

بعد غزو أوكرانيا، الغرب فرض سلسلة عقوبات هي الأشد في التاريخ الحديث: تجميد أصول، حظر تصدير التكنولوجيا، سقف أسعار النفط والغاز الروسي.

ونتيجة ذلك، روسيا خسرت نحو 154 مليار دولار من عوائد الطاقة. لكن موسكو اتجهت لأسواق بديلة مثل الصين والهند، مما أنقذ جزءًا كبيرًا من اقتصادها.

النفط الروسي يُباع فوق سقف السعر المحدد غربيًا، ما أضعف فعالية العقوبات. أي أن الغرب حاول "خنق روسيا"، لكن موسكو استغلّت بدائل استراتيجية.

 الصراع الاقتصادي مع الصين

الصين دخلت على خط الأزمة بدعم روسيا (معدات، قطع غيار، تقنيات للطائرات المسيّرة).

واشنطن ردّت بمشروع قانون (أغسطس 2025) يعاقب الشركات الصينية المشاركة في دعم روسيا.

بجانب ذلك، أمريكا تضغط عبر الحرب التكنولوجية، كـ(حظر تصدير الرقائق المتقدمة لشركات صينية، وتقييد وصول الصين للتكنولوجيا الغربية المتطورة).

إيران والعقوبات المتجددة

إيران واقعة تحت عقوبات منذ عقود، لكن مع التصعيد الأخير مع إسرائيل، أمريكا وأوروبا بيشددوا الإجراءات.

أبرزها، تجميد تعاملات مصرفية، تهديد بفرض حظر أوسع على صادرات النفط.

لكن ترد إيران عبر توسيع العلاقات الاقتصادية مع روسيا والصين، والدخول في تحالفات “اقتصاد موازٍ” مثل بريكس.

الاتحاد الأوروبي في معادلة صعبة

أوروبا نفسها متضررة، فقد فقدت الغاز الروسي الرخيص، وارتفعت أسعار الطاقة.

بعض الدول مثل ألمانيا وبولندا زادت ميزانية الدفاع بشكل ضخم، مما ضغط على ميزانياتها. ورغم ذلك، الاتحاد الأوروبي يحاول فرض عقوبات متواصلة لتأكيد موقفه.

 لماذا العقوبات حرب غير معلنة؟

لأنها تستهدف شلّ الاقتصاد الوطني للدول.

تجعل الشعوب نفسها تعاني (بطالة، تضخم، تراجع عملات).

تُستخدم كأداة ردع مثل القنابل، لكن بدون صواريخ أو طائرات.

وهي غالبًا مقدمة لحرب فعلية، لأنها تدفع الدول المتضررة إلى البحث عن حلول عسكرية أو تحالفات صدامية.

حرب الظل في البحر الأحمر: الكابلات تحت الاستهداف"

وفي موازاة هذه التطورات، شهد البحر الأحمر خلال الساعات الماضية انقطاعًا في عدد من الكابلات البحرية التي تنقل الإنترنت بين آسيا وأوروبا، وهو ما أثار مخاوف بشأن خلفيات الحادث وأبعاده. 

فبينما أرجعت بعض التقديرات الأمر إلى حوادث ملاحية عابرة، ذهبت تحليلات أخرى إلى اعتباره جزءًا من حرب الظل الجارية بين القوى الكبرى، نظرًا لأهمية هذه الكابلات التي يمر عبرها ما يزيد على 90% من حركة البيانات العالمية. 

فمن جانبها، شركة Microsoftأكدت أن خدماتها السحابية (Azure) شهدت تأخرًا في الاستجابة نتيجة تعرض مسارات البيانات العابرة للمنطقة تلقت ضربات مباشرة من القطوعات البحرية، مما استدعى إعادة توجيه حركة المرور عبر مسارات بديلة.

وأفاد مراصدو الإنترنت مثل NetBlocks، بالإضافة إلى هيئة الإذاعة AP، بأن أنظمة SMW4 وIMEWE المتصلة بالسواحل السعودية بالقرب من جدة، فضلاً عن كابل FALCON GCX، تضررت بأعطال أساسية، ما أثّر على استقرار الإنترنت في دول مثل السعودية وباكستان والهند والإمارات.

التحقيقات لم تحدد بعد ما إذا كان الأمر حادثاً عرضياً — مثل مراسية سفن أو خلل فني — أم جزءًا من عمل مدبر في إطار يهدف استهداف البنية التحتية الرقمية لأجل الضغط السياسي الاستراتيجي.

لا يوجد تصريح صريح بوجود حرب عالمي

وأخيرًا، لا توجد حتى الآن «إعلان حرب عالمي» واحد مؤكد؛ لكنها سلسلة إشارات متقاطعة ترفع مخاطر التصعيد المحلي والإقليمي، وتغيّر من قواعد اللعب الدبلوماسية والعسكرية. 

الأكثر وضوحًا أن الأطراف الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، والاتحاد الأوروبي) تتعامل الآن بلغة القوة والاحتياط أكثر من أي وقت سابق في الأشهر الأخيرة.

الوقائع المتفرقة التي رصدتها وسائل الإعلام الغربية خلال الأسابيع الأخيرة لا تُثبت بدء حرب عالمية، لكنها تشكّل ما يشبه خريطة تحذيرية، كـ استعراضات عسكرية، رمزية سياسية صارمة، واستعدادات مدنية في أوروبا — كلها عناصر تُظهر أن العالم يتهيأ لاحتمالات أسوأ. 

الصحفيون وصانعو القرار أمام سؤال واحد: هل هذه إشارات تحذير كافية لتغيير السياسات أم مجرد استعدادات وقائية تواكب مناخًا دوليًا متقلبًا؟