"بدر عبد العاطي".. مهندس الدبلوماسية المصرية في "الأوقات الحرجة"
من صعيد مصر العريق وتحديدًا محافظة أسيوط، حيث النخوة تصقل الرجال والحزم يُغرس في النفوس منذ الصغر، ينبثق بدر عبد العاطي كرمز للدبلوماسية المصرية المتجذرة في أصالة الأرض وروح شعبها.
جذوره المصرية العميقة تمنحه قوة في القرار وثباتا أمام التحديات، فتتحول كل خطوة على الساحة الدولية إلى موقف متزن، يمزج بين الحزم والحكمة، ويجعل من صوت مصر صوتا حازما لا يُغفل في أي معادلة إقليمية أو دولية.
مهندس الدبلوماسية المصرية
منذ توليه وزارة الخارجية منتصف 2024، قدّم بدر عبد العاطي نموذجاً مميزا للدبلوماسية المصرية، يجمع بين الصلابة في الدفاع عن الثوابت والقدرة على التكيف مع واقع دولي متقلب.
ويمكن قراءة دوره على ثلاث مستويات متداخلة:
على المستوى الإقليمي، أعاد عبد العاطي صياغة الموقف المصري في ملف غزة بشكل أوضح، فثبت الخط الأحمر ضد التهجير أو إعادة الاحتلال، وأكد تمسك القاهرة بدور السلطة الفلسطينية، رافضا أي ترتيبات بديلة تقصي الشرعية الفلسطينية أو تفتح الباب لتجزئة القضية، وفي المقابل، تحرك عبر وساطة نشطة لا تقتصر على تنسيق إنساني لمعبر رفح، بل تضع مصر في قلب المعادلة التفاوضية مع الولايات المتحدة وقطر والأوروبيين، ما يجعل القاهرة لاعباً حاسما لا يمكن تجاوزه، و وزير الخارجية والهجرة «مهندس التفاصيل» في أي طرح لوقف النار أو ترتيبات ما بعد الحرب، قد برز دوره مؤخرا خلال المؤتمر الصحفي من أمام معبر رفح، حيث أكد للعالم أن المعبر لم يغلق وأن القاهرة ملتزمة بضمان تدفق المساعدات الإنسانية، لإبطال الشائعات والأكاذيب التي تروج حول إغلاق المعبر.
أما على المستوى الدولي، فقد استفاد من خبرته الدبلوماسية الواسعة، ليخاطب واشنطن بلغة المصالح الأمنية والإقليمية، ويخاطب أوروبا بلغة القانون الدولي والشرعية الأممية، فيما حافظ على تنسيق وثيق مع الأطراف العربية، ليصنع توازنا عربيا ـ غربيا يضمن لمصر أن تبقى المرجعية المركزية.
وعلى المستوى الاستراتيجي، لا يتعامل عبد العاطي مع وقف إطلاق النار كغاية بحد ذاتها، بل كمرحلة انتقالية نحو ترتيبات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة، وبناء مسار سياسي يربط الهدنة بالحل النهائي القائم على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وهنا برز استثماره في «ورقة الإنسانية»، عبر الجسر الإغاثي المصري، الذي تحوّل من مجرد عمل إغاثي إلى أداة ضغط دبلوماسي تُكسب الموقف المصري بُعدا أخلاقيا وقانونيا.
ما يميز أداء وزير الخارجية عبد العاطي ليس فقط القرارات، بل الطريقة التي تُدار بها السياسة الخارجية؛ فهو يزاوج بين الميدان والإعلام، حيث انه حرص على الظهور عند معبر رفح لإرسال رسالة بأن القاهرة حاضرة بجسدها لا ببياناتها فقط، كما يجمع بين الحزم والمرونة، رفضٌ قاطع للتهجير، وانفتاح مدروس على كل مسار تفاوضي قابل للبقاء، وإلى جانب ذلك، تُدار الخارجية المصرية في عهده كغرفة عمليات لا تهدأ، تتابع اتصالاتها مع العواصم الكبرى على مدار الساعة.
الخلاصة أنّ دور وزير الخارجية و الهجرة الدكتور بدر عبد العاطي يتجاوز كونه تنفيذا لسياسات الدولة، ليصبح ترجمة عملية لثابت مصري قديم: لا أمن إقليمي بلا حل سياسي، ولا شرعية لأي تسوية بلا فلسطينيين، إنه يُعيد تموضع مصر كعاصمة القرار العربي، مستخدما أدوات متشابكة: الوساطة، القانون الدولي، الضغط الإنساني، والتحالفات المتقاطعة.
وبهذا، يمكن وصفه بأنه وزير خارجية اللحظة الحرجة، الذي يحول مصر من وسيط إقليمي إلى فاعل استراتيجي لا غنى عنه في أي معادلة شرق أوسطية، مع التأكيد عبر ظهوره الميداني على مصداقية موقف القاهرة وحرصها على الإنسانية.