الثلاثاء 19 مارس 2024 الموافق 09 رمضان 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

البرنس فؤاد.. وشويكار

الإثنين 12/يوليو/2021 - 09:04 م

كان الأمير فؤاد قبل توليه الحُكم هو "البرنس المفلس".

وهي صورة أكدها الصحفي الكبير مصطفى أمين عندما قال: عندما تولى الأمير فؤاد عرش مصر كان مدينـًا لكلوب محمد علي بثلاثمئة جنيه قيمة طعام وخمور لم يدفع ثمنها.. وكان مدينـًا للخياط الإيطالي ديليه بألف جنيه قيمة ملابس لم يدفع ثمنها.. وكان مدينـًا للبنك الأهلي ولبنك موصيري وللبنك العثماني ولبنك كريديه ليونيه. بل إنه كان مدينـًا للجزار والبقال، وكان مدينـًا لطباخه وللسفرجي إدريس الذي كان يأخذ مرتبه بالتقسيط. وعندما تولى الأمير فؤاد عرش مصر أنعم على السفرجي إدريس برتبة البكوية، فتنازل الأخير عن باقي ديونه.

وكان مدينـًا بعدة آلاف من الجنيهات لمدام مخلع باشا، وعندما أصبح سلطانـًا عيَنها وصيفة في القصر، كما كان مدينـًا لكثير من أغنياء اليهود مثل يوسف موصيري بك ويوسف قطاوي باشا بمبالغ كبيرة.

ضاقت الدنيا في عين الأمير المفلس "البرنس فؤاد"، ولم يكن هناك أمامه من مخرج سوى أن يتصرف بالطريقة المعتادة التي يلجأ اليها أمثاله من سلالة الملوك والسلاطين المفلسين.. وكان الحل الوحيد: البحث عن زوجة تكون غاية في الثراء، يعيش على حسابها.

لكن الثراء لم يكن الشرط الوحيد المطلوب في هذه الزوجة؛ إذ كان ضروريـًا أيضـًا أن تكون من سلالة ملوكٍ وسلاطين مثله.

أخذ البرنس فؤاد يبحث هنا وهناك بين أميرات أسرة محمد علي عمن تتوافر فيها هذه المواصفات، حتى عثر على ضالته المنشودة: الأميرة شويكار.

كانت الأميرة شويكار حفيدة إبراهيم باشا قد ورثت ثروة كبيرة من أموال وعقارات وأطيان، لأن ثروة إبراهيم باشا لم تصادر. وبالرغم من أنها لم تكن جميلة، فإنها كانت "الصفقة المناسبة" للأمير المفلس البرنس فؤاد.

لم يتطلب الأمر مجهودًا كبيرًا منه للإيقاع بها؛ إذ وافقت الأميرة شويكار سريعـًا على عرض الزواج الذي تقدم به الأمير المفلس.. بل إنها وافقت على شرطه بأن يؤجل سداد مهرها البالغ عشرة آلاف جنيه لحين ميسرة.

وتزوج البرنس أحمد فؤاد من الأميرة شويكار، لتنتقل من قصر الدوبارة -مسكن عائلتها- إلى قصره المتواضع في الزعفران.

ومن اليوم الأول لزواجها اكتشفت الأميرة شويكار حقيقة هذا الزواج، وعرفت أن البرنس فؤاد تزوجها من أجل ثروتها، وبدأ قصر الزعفران يشهد كل يوم فصلًا من فصول مهزلة هذا الزواج. لم يكن البرنس فؤاد يكتفي بعدم الإنفاق على زوجته، وبأنها تتحمل تكاليف الحياة في القصر ومرتبات الخدم والحشم، بل كان يأخذ كل يومٍ منها مبلغـًا، ثم ينطلق إلى القاهرة فيمضي أيامه هناك في قصر "البستان" الذي يملكه في باب اللوق وهو يسكر كثيرًا، ويخسر أكثر في القمار.. ومعظم وقته ضائع في "الكلوب الخديوي" يحاول أن يربح دورًا من البوكر.

ارتبط الأمير فؤاد بموائد القمار وكؤوس الخمر، تاركـًا زوجته حبيسةَ جدران قصر الزعفران.

بل إنه ملَ من كثرة مطالبتها كل مساء بأن تمده بما يحتاج من المال، فلجأ إلى أن تعطيه توكيلًا بإدارة أعمالها المالية، ففعلت. وعندما اكتشفت أنه يبيع بعض ما تملك عمدت إلى إلغاء التوكيل.

وعندما أبلغه قلم كتاب المحكمة بأن التوكيل الذي لديه قد ألغته صاحبته، كانت ليلةً سوداء على شويكار؛ إذ انهال عليها ضربـًا بالكرباج وهي تصرخ ولا من مجيب.

استمر الزوج "الأمير فؤاد" يعيش دور البرنس الأعزب الطائش. كان يسكر كل ليلة حتى الثمالة، وكان يلعب القمار كل ليلة. ولم يكن مقامرًا شريفـًا، فكان لا يتورع عن سرقة "الآس" من أوراق اللعب وإخفائها في حذائه.
عاشت الأميرة شويكار نهارها وليلها في عذاب. 

في الليل، كانت حفيدة إبراهيم باشا وابنة الأميرة العثمانية نوجوان هانم تبقى وحيدة مع دموعها في حجرة نومها، في حين كان زوجها البرنس فؤاد يلهو ويسكر ويقامر في القصر الموجود حاليـًا تحت اسم نادي الدبلوماسيين، وكان اسمه من قبل نادي محمد علي، كما كان من قبل الكلوب الخديوي. وفي النهار، كانت ترى الويل على يدي حماتها أم الأمير فؤاد وهي امرأة تركية حادة الطباع، سليطة اللسان. فإذا عاد زوجها "البرنس فؤاد" مع الفجر مخمورًا عابسـًا من خسارته في القمار، وشكت له من سوء معاملة أمه لم يكن يهتم، بل كان يصرخ فيها طالبـًا منها المزيد من النقود. وإذا اعترضت، أخذ يكيل لها وابلًا من السباب والشتائم القذرة بخليط من اللغات العربية والتركية.. والفرنسية!

وإذا ردت عليه، لم يكن يتورع عن توجيه اللكمات إلى وجهها وجسدها، أو التقاط كرباج معلقٍ على الجدران، لينهال به ضربـًا عليها بكل قسوة غير عابئ بصراخها وتوسلاتها.

شعرت الأميرة شويكار بأنها سجينة داخل قصر الزعفران.. وكلما طلبت من زوجها أن تخرج لزيارة أهلها كان يرفض بإصرار، فلم تجد أمامها وسيلة لإخبار أهلها بما يحدث لها سوى تهريب الرسائل والخطابات إلى شقيقها سيف الدين، تروي له فيها عن حياة الذل التي تعيشها في ظل هذا الزوج النصاب الملكي، وتطلب إنقاذها من سجن الزعفران .

وكان للأميرة شقيقان: الأمير وحيد الدين، والأمير سيف الدين، في حين كانت والدتها نوجوان هانم تعيش في الآستانة.

ذات يوم، وبينما كان البرنس فؤاد بعيدًا عن القاهرة في غزواته اليومية لدور اللهو، دبت خناقةٌ حامية بين الأميرة شويكار وحماتها. انتهزت شويكار الفرصة وغياب البرنس فؤاد، وأسرعت هاربةً من قصر الزعفران إلى بيت أهلها.

وعاد البرنس فؤاد ليكتشف هروبها، فانطلق وكله غضب كالمجنون إلى سراي الجزيرة، حيث تسكن عائلة الأميرة شويكار.

وهناك حدثت مشاجرة، انتهت لاحقـًا بأكثر القضايا الملكية إثارةً في تاريخ مصر.