الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

الرقص فى الجنة

الأربعاء 02/يونيو/2021 - 09:20 م

على أنغام أغنية الحب كله لأم كلثوم، أنهت شجن نمرتها هذه الليلة سريعا، بدى عليها التوتر، لم تحيي الجمهور كعادتها ولم ترسل نظراتها وقبلاتها في الهواء هنا وهناك كما تفعل كل ليلة، ولم تخرج للصالة بعد تغيير ملابسها لتلتقي بزبائن الملهى الليلي التي تعمل فيه منذ سنوات وأصبحت شريكة في الإيرادات بعد أن تطورت موهبتها وسيطر (وسطها) على سوق الرقص، ووسط تعجب الزبائن، أشارت شجن فور انتهاء رقصتها لمساعدها ليلحق بها على غرفتها.

جلست شجن أمام المرآة تنظف وجهها من مساحيق الجمال التي تملؤه وخلال قيام عفيفي الحمش بتجهيز شنطها استبدلت بدلة رقصها بعباءه سوداء فضفاضة وعليها شال أخضر يغطي منقطة الصدر، ثم قالت للحمش (الشنطة دي اللي هتروحها البيت.. ودي اللي هاخدها معايا)، تحركت سيارة شجن من أمام الملهى الليلي سريعا بصحبة السائق والمساعد الخاص بها لتتوقف أمام قصرها المطل على النيل بمنطقة منيل شيحة، أنزل الحمش الشنطة الأولى وأعطاها للبواب ثم عاد مرة أخرى للسيارة التى انطلقت ناحية المطار.

بصوت أجش لا يليق على وظيفته التفت لها الحمش وقال (حج مبرور يا فنانة)، هكذا حاول مساعدها أن يجاملها بكلمات لا تمت للمناسبة بصلة، لكنه تعود أن يغرقها بكلمات المدح والأحاديث الكوميدية الساخرة كما تعود أن يساعدها في اختيار الوان ملابس الرقص وحجز جلسات الساونا والجاكوزي وتنظيف الجسم بالليزر، ضحكت شجن ضحكتها الشهيرة وقالت له (حج اية يا منيل.. دي عمرة)، تبادلوا بعدها الحديث حول الفرق بين الحج والعمرة لتضيف شجن للحمش معلومات خاصة بأركان الدين كأنها شيخ أزهري يلقي خطبة الجمعة حتي وصلوا للمطار وانتظر مساعدها حتى غادرت طائرة شجن المتوجة للمملكة العربية السعودية.

تعودت شجن أن تذهب لأداء مناسك العمرة كل عام في مثل هذا الوقت، تنهي جدول رقصاتها في رأس السنة ثم أعياد الكريسماس ثم تذهب للعمرة لتعطي كل شيء حقه، تضحك عندما يسألها المقربين عن السبب وتقول (ساعة لقلبك وساعة لربك) وترفض تماما ولو بسخرية أي اتهامات تلمح أنها تنافق الله أو أن عملها يتناقض مع التزامها بأداء العمرة، فهي تعتبر أن الرقص فن شريف، والفنون يطبق عليها القاعدة الشرعية (حلاله حلال.. وحرامه وحرام) وأنها طالما تؤدي نمرتها وتجامل الحضور دون أي تجاوزات جسدية فهي لا تذنب، وأن الراقصة أفضل كثير من العامل في صناعة الخمور مثلا باعتبار أن الخمر تم تحريمه بنص قرآني لكن الرقص لم يحرم بآية صريحة، وعند محاولتها إقناع أي شخص بوجهة نظرها تقول له (ما الرقص موجود من ايام النبي .. ربنا محرموش زي الخمرة ليه ؟) .

تشبه أشجان كثيرا الزهور البلاستيك، تملك شكلا جميلا لكن الاقتراب منها أكثر من اللازم يكشف حقيقتها، بداية من اسمها الذي تحول من أشجان لشجن، وحتى مواقفها التي من الممكن أن تقف أمامها كثيرا لتجد تفسيرا منطقيا، كان أكثر ما تعلمته شجن من نشأتها المعدمة في إحدى دور رعاية الأيتام بطنطا هو مواجهة الخوف، أن تعيش وسط عيون الذكور التي تراقب جسدها ينبت ثماره الشهية ولا تخشاهم، تقاوم بكل ما أوتيت من قوى، تعلمت أيضا الحصول على مصلحتها بأقل مقابل يمكن أن تدفعه، تعلمت كيفية تسيير أمورها للحصول على ما تريد، أو كما تقول دائما (اتعلمت اماين)، التقطت بعض المعلومات الدينية المشوهة من قبل الشيوخ الذين كانوا يزورون الدار، بعض الأحاديث والآيات ومواقف في التراث الإسلامي، تستشهد بهم دائما حتى تظهر كأنها فاهمة عالمة مثقفة. 

دخولها عالم الرقص بدء بقصة حب، فبعد ان أحبت إحدى المشرفين واتفقا على الهرب والزواج بعيدا عن الدار وعن أهله الذين بالتأكيد سيرفضون زواجه من (فتاة الملجأ)، وبالفعل هربا معا وتزوجا لكن زواجهما لم يدم سوى سنتنين و3 شهور، بعد أن علم أهل زوجها بمكانهما وأجبروه على تركها والعودة معهم لمحافظة أسوان، ولكي تواجه تكلفة إيجار الشقة والمرافق الخاصة بها من فواتير غاز ونور ومياة اضطرت للعمل في محل مخبوزات شهير، لم تستمر فيه سوى شهرين لقلة الراتب لتنتقل بعدها للعمل في استديو لتسجيل الأغاني كعاملة بوفيه، تقدم المشروبات للحضور و تقوم بأعمال النظافة وبالفعل كان يحقق لها دخل يكفي مصروفاتها ويزيد، وفي يوم حضر للاستديو المطرب الشعبي حامد الجمل بصحبه منتج كليباته المعلم حسين المصري، والذي أعجب كثيرا بها وحاول أن يصل حبال الود بينه وبينها وهو ما لم تستطع رفضه شكلا وموضوعا. 

المعلم حسين المصري واحد من أهم منتجي الكاسيت في السوق وبكلمة منه يستطيع أن ينهي عملها في الاستديو، وبالفعل تجاوبت معه وحاولت أن تطبق أهم مبادئها في (المماينة)، ليعرض عليها أن يتزوجها عرفيا و تعمل لديه في إحدى الملاهي الليلية التي يملكها ويستهويها الأمر وتتطور فيه حتى تتحول (أشجان) لـ شجن الراقصة المشهورة.

فور وصولها الأراضي المقدسة توجهت لقضاء مناسك العمرة، بوجه بشوش خالي من أي مساحيق تجميليلة وملابس فضفاضة بدأت شجن رحلتها للحرم المكي، تسير وسط الجموع في يديها سبحة تسبح عليها بكلمات سريعة غير مسموعة حتى وقعت بعض الكلمات على آذنها كأنها رصاصة أطلقت على قلبها، سمعت أحد الأشخاص يقول بجانبها (فضفاض ايه اللي هي لابساه ما احنا حافظين معالم جتتها حتة حتة)، حاولت شجن الا يظهر على ملامحها أي انواع من الشيق أو التأثر وتمالكت نفسها حتى وصلت أمام (الكعبة) لتنهار في البكاء بشكل هستيري وتتذكر كل تفاصيل حياتها كأنها شريط سينمائي.

عصفت بعقلها العديد من الأسئلة ولم يشفع لها المباديء التي تعلمتها طوال السنوات الماضية، أسئلة قد تعصف بعقل شخص يجلس على أريكة منزله دون أن يكون عمله به شبه أو وصمة اجتماعية، قد تسأل نفسك كثيرا (هل اقتربت نهايتي؟ هل انا مستعد ؟، هل بالفعل قدمت في حياتي الدنيا ما ينفعني؟) كلها أسئلة تقع إجابتها في المناطق الرمادية، ما بين محاولة إسكات الضمير من ناحية وصراع جلد الذات وتأنيب النفس من ناحية، سألت شجن نفسها وهي أمام بيت الله (هل ما حصلت عليه من أموال طوال حياتي حلال أم حرام؟، هل يتقبل الله أعمالي أم لا؟ ، لكل شخص قدره والقدر بيد الله فلماذا ألوم على نفسي وهو من اختار؟ هل بالفعل اختار الله لي هذا الطريق أم أن الإنسان هو المسؤول عن اختياراته؟ ) .

ووسط محاولاتها للصفاء النفسي وأسئلتها الكثيرة أرسل إليها مساعدها الحمش سؤالا على هاتفها المحمول (فيه أوردرات في شم النسيم.. أخد عربون ولا استني شوية؟) .