الثلاثاء 23 أبريل 2024 الموافق 14 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

الحب والموت فى لندن (14)

الثلاثاء 06/أبريل/2021 - 04:37 م

اندلعت مظاهر الفرح والحماسة في لندن وباريس، وتظاهرت السيدات الإنجليزيات أمام الفندق الذي تقيم فيه مارجريت ميللر بعد الحكم بتبرئتها من قتل زوجها علي كامل، وأرسلن وفدًا عنهن قام بتقديم باقات الزهور إليها. واحتفت بها الجمعيات النسائية البريطانية، باعتبارها رمزًا للمرأة الأوروبية التي أبت أن تستسلم للعبودية الشرقية!
غير أن هذا كان مجرد جزءٍ من الصورة.. ومجرد مشهدٍ من معركةٍ جرت وقائعها بين القاهرة ولندن وباريس. 

وإذا كان مراسل "الأهرام" قد اختتم تغطيته لجلسة الحُكم بتنبيه المصريين إلى أن يتوقعوا حملاتٍ شديدة عليهم من الصحف الإنجليزية خلال الأيام التالية، فإن ذلك قد حدث.

لعبت الصحافةُ البريطانية دورًا مؤثرًا في الدفاع عن مارغريت فهمي إلى أن نالت البراءة من الاتهامات الموجهة إليها، وأخلي سبيلها، بالرغم من الضجة التي أثيرت في هذه الجريمة العاطفية الغريبة. 

أخذت صحفٌ بريطانية تتناول القضية والحُكم. وهكذا كتبت "ديلي ميرور" تقول إنه ليس من المستحب عقد زواجٍ بين رجال شرقيين ونساء غربيات، فهذا الزواج يفشي أمورًا مضحكة مثيرة للعواطف وغير لائقة، وقدمت قضية مدام فهمي "عبرة لبناتنا ذوات العواطف اللاتي لم يؤخذن بالسفسطة بعد".

"لويد نيوز" قالت إن المرأة البيضاء (الأوروبية) التي تطلب محبـًا من غير جلدتها "سواء كان من الصفر أو السمر أو السود، تدخل عالمـًا لا بد أن تثور طبيعتها عليه عندما تعرف الحقيقة"، وهو ما صدقت عليه "صنداي بكتوريال" بقولها إن قضية مدام فهمي لم تحدث سوى قليلًا من الاستغراب لدى الذين ألفوا المظاهر التي تظهر بها عقلية الشعوب الشرقية.

في سياقٍ مماثل، حذرت جريدة "وسترن مورننج نيوز" من روح التساهل التي انتشرت بين كثير من الأسر الإنجليزية وحدت بهم إلى قبول أعداد من الشرقيين في منازلهم على أساس الصداقة والألفة "فكان ذلك سببـًا للزواج فيما بعد، ولكن لما ذهبت الزوجة الإنجليزية إلى الشرق بدأت خيبة الأمل، فعلى الآباء والبنات الإنجليز أن يحترسوا من الشرقيين".

غير أن عددًا من الصحف الكبيرة رفضت الانجراف في هذا التيار المعادي للشرق والشرقيين، خصوصـًا بعد أن ظهرت ردود فعلٍ قوية لإجراءات المحاكمة وضد الحكم سواء بين المصريين المقيمين في إنجلترا أو الذين حضروا المحاكمة، أو في صفوف الشعب المصري، أو على صفحات الجرائد المصرية.

أرسل أحد هؤلاء، وهو المحامي عبدالرحمن البيلي بك، بيانـًا إلى الصحف الإنجليزية يدافع فيه عن الحياة الزوجية المصرية، مفندًا أقوال السير مارشال هول، مؤكدًا أن "المصريين يعاملون زوجاتهم بكل احترام ولا يزيد عدد الذين يشذون عنها في البلدان الأخرى. وقد نصت الشريعةُ الإسلامية على شروطٍ لإباحة تعدد الزوجات يجعل هذا التعدد مستحيلًا. وتتناقل الصحف البريطانية بين الحين والآخر أخبارًا عن الحركة النسوية في مصر تدل على الشأن الخطير الذي للمرأة في شؤون البلاد. وقد كان في موكب استقبال معالي سعد باشا زغلول ثمانون سيارة للسيدات. واشترك الوفد المصري النسوي الذي ذهب إلى روما برئاسة السيدة هدى هانم شعراوي اشتراكـًا ذا شان في المناقشات التي دارت في المؤتمر. ثم إن القانون المصري لا يعترف للزوج بأن يعامل زوجته معاملةً تختلف عن أي شخصٍ آخر. وبين الزوجات المصريات سيداتٌ من جميع الجنسيات الأوروبية وهن ينكرن كل الإنكار ما أبداه السير مارشال من ملاحظات".

في القاهرة، اجتمعت "لجنة الوفد المركزية للسيدات" وأرسلت برقيات احتجاجٍ للصحف الإنجليزية ودار المندوب السامي، على ما جرى في المحاكمة المذكورة. واحتجت اللجنة "على التهم الفظيعة الباطلة التي وجهها المحامون عن مدام مارغريت فهمي وأغلب الصحافة الإنجليزية ضد الشرقيين عمومـًا والمصريين خصوصـًا. تلك التهم الباطلة التي لا ترى فيها السيدات المصريات إلا خطةً عدائية ونوعـًا جديدًا من نشر الدعوة للتشهير بالشرقيين تبريرًا لسياسة الاستعمار الإنجليزي".

وعبرت الاحتجاجات الحدود المصرية، وهو ما يظهر فيما نشرته جريدة "ديلي إكسبريس" نقلًا عن مكتبها في القدس من أن "قضية مدام فهمي أحدثت استياءً شديدًا من البريطانيين بين عرب فلسطين، فقد تذمروا مما وجهه السير مارشال هول إلى الشرقيين من الشتائم واتهموا المحلفين بالتحيز".

لعل ذلك الموقف المصري من جانب، فضلًا عما شاب قرار المحلفين من أسباب القصور من جانبٍ آخر، كان مما دفع عددًا من الصحف البريطانية إلى اتخاذ موقفٍ مغاير.

كانت "ديلي هيرالد"، الجريدة الناطقة بسان حزب العمال، من أولى الصحف التي لم ترحب بالحُكم، فقد رأت أنه لم ينتج عن مقتضيات العدالة بقدر ما نتج عن براعة السير مارشال هول، وأنه إذا صار الحُكم للعمال" فستقلب الحكومة هذا النظام الذي يجعل حظ المتهمين من البراءة متوقفـًا في الغالب على مقدار ما يستطيعون أن ينفقوه من مالٍ على الدفاع".

ووصفت "الأهرام" موقف جريدة "ديلي كرونيكل" بأنه "التعقل بعد التهور"، فقد اعترفت تلك الجريدة بمعقولية الاحتجاجات المصرية، والتي دافعت عن أنظمة الزواج الإسلامية في مصر، "وأنها مؤسسةٌ على مبادئ أدبية قويمة يُقصَدُ منها أن يقوم الرجال والنساء على السواء بواجبات الزواج، وبين المسلمين من الصالحين كما بين المسيحيين، ومن الرياء أن ندعي أن حضارتنا أنسب لعقولنا من بعض الحضارات المتأخرة في معظم أنحاء الشرق".

كما كتبت جريدة "ديلي نيوز" تحت عنوان "حقوق المرأة في الشرق والغرب" مؤكدةً أن ضررًا عظيمـًا وقع من الحملات التي كالتها الصحف على الشرقيين بوصفهم أنهم أزواجٌ قساة وأن تعدد الزوجات في الشرق أفضل منه في الغرب، ففي حين يُوضَعُ لهذا التعدد قيود وشروط "فإنه موجودٌ في الغرب في شكلٍ أعظم ظهورًا وخطرًا".