السبت 27 أبريل 2024 الموافق 18 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

الحب والموت في لندن (13)

الإثنين 29/مارس/2021 - 05:47 م

تقول مراجع إنه لما دافع المحامي الشهير السير مارشال هول عن مارجريت فهمي بكى أمام المحلفين، فكانت دموعه من أسباب تبرئتها أمام المحكمة. مراسل "الأهرام" الذى تابع المحاكمة، وصف هول بأنه "مذهل كممثل كما أنه مذهل كمحام"، وكان لهذا تأثيرٌ كبير على المحلفين وعلى الرأي العام البريطانى .

وفى المحاكمة، أثار الدفاع مسألة مثلية القتيل وعلاقته مع سكرتيره، فى حين لم يعرف المحلفون فى المحكمة الكثير عن علاقات مارجريت فهمى، التى تصفها مراجع ومؤلفاتٌ بريطانية بأنها امرأة ذات أخلاقٍ فضفاضة.

وبطبيعة الحال، حرص المحامي مارشال هول على ألا تُثار مسألة أخلاقيات موكلته أمام المحكمة.

ومارشال هول المولود في عام 1858 لأب طبيب من برايتون، محامٍ ذائع الصيت، نال لقب سير عام 1917.

وتاريخ هذا المحامى فى المحاكم البريطانية يشمل النجاح فى محاكمات ترتبط بجرائم قتل شهيرة، مثل محاكمات هربرت بينيت وروبن وود ورونالد لايت وألفونسو سميث، وحسب إرنست لستغارتن، فإن المحامى مارشال هول لم يكن أفضل خبيرٍ قانونى فى العالم، لكنه كان استثنائيـًا فى إضفاء طابعٍ درامي على قطع الأدلة لدى عرضها على المحلفين.

ولم تكن مرافعة الادعاء بقوة مرافعة الدفاع صحيحٌ أن النائب العمومى استهل هذه المرافعة بقوله إن خطبة السير مارشال هول "من أعظم وأقوى ما أخرجته المحاماة في انجلترا فنـًا وتمثيلًا، ولكني أريد أن أنقلكم من المحيط التمثيلي السائد في هذه المحكمة منذ أربعة أيام"، وهو ما حاوله فعلًا، غير أنها لم تكن المحاولة التي يمكن أن تفسد الأثر الذي تركته مرافعة الدفاع .

نبَه الرجل أولًا إلى فارق السن بين الزوجين، وأنه يدل على أنها خبيرةٌ بشؤون العالم وأحوال الرجال، خصوصـًا أنها كانت قد أنجبت وهي في الثامنة عشرة ابنةً غير شرعية، ثم سعى بعد ذلك إلى أن يبرهن على صدق حُبِّ فهمي بك لمارجريت من عقد الزواج المدنى والخطابات الغرامية التى كان يرسلها إليها وأنها "كانت تعيش فى القاهرة عيشة البذخ والرفاهية، وليس هناك ما يبرر القول بأنه كان يتسلى بتعذيب النساء. 

وكانت مدام فهمي تتوق إلى أن تكون أميرة بدليل أنها كانت مستعدةً أثناء زواجها لترك دينها والتنازل عن حقها في الطلاق، وقد لعب الطمع دورًا كبيرًا فى هذا الزواج".

غير أن ما أضعف من تأثير تلك المرافعة اعتراف النائب العمومي بكثرة المنازعات والمشاحنات بين الزوجين، بل إنه أعرب عن أسفه لأن الشريعة الإسلامية تخول الزوج الشرقى بعض الحقوق الزوجية وأن له حق تأديب الزوجة في بعض الأحيان، ولكن ليس بالطريقة التى ذكرها السير مارشال هول والتي وصفها بالقسوة الشديدة، وكأنه اتفق مع محامي المتهمة في إدانة المبدأ.

وقد أدرك القاضى بأن الرياح تملأ أشرعة سفن الدفاع مما بدا سواء على وجوه المحلفين أو فى تصرفات الجمهور الحاضر أو تعليقات الصحف، الأمر الذي دعاه قبل نهاية جلسات المحاكمة إلى إلقاء خطبةٍ تحذيرية طويلة كانت موجهة في الأساس إلى المحلفين، جاء فيها:

"لقد أثبت الاتهام أن المتهمة قتلت علي فهمي بك، والقانون يعتبر أن هذا العمل هو قتل عن عمد ما لم يثبت الدفاع غير ذلك. 

وإذا كان عند المحلفين شكٌ في أنها اعتقدت أو لم تعتقد أن عملها ليس جُرمـًا أو هو جرمٌ أقل من القتل، فعليهم أن يقرروا أنها ارتكبت جريمة قتلٍ عن عمد، ويجب علينا أن لا نسمح لشهاداتٍ يقشعر منها الجسم أن تشغلنا أو تؤثر في حكمنا، فلا تدعوا الخشية والاشمئزاز يمنعانكم عن استخدام مواهبكم العقلية".

وعلى الرغم من ذلك، وبعد أن خلا المحلفين ساعة للمداولة، خرجوا من خلوتهم وجلسوا في مقاعدهم ونترك لمراسل "الأهرام" الخصوصي وصف ما جرى:

"كاتب المحكمة: هل مدام فهمي مجرمةٌ (يقصد: مذنبة) بالقتل عمدًا؟
كبير المحلفين: ليست مجرمة.
كاتب المحكمة: هل هي مجرمةٌ بالقتل من غير تعمد؟
كبير المحلفين: ليست مجرمة".

"فلما سمع المتفرجون في المحكمة هذا الحكم جعلوا يصفقون. واتصل الخبر بالجمهور الذي ينتظر خارجـًا فجعل يصفق أيضـًا. فاستاء القاضي من تظاهر المتفرجين وأمر بإخراجهم جميعـًا من المحكمة ما عدا المحامين والصحفيين، ثم قال مخاطبـًا مدام فهمى: "مدام فهمى، إن المحلفين وجدوكِ غير مجرمة، فأنت بريئةٌ مما عُزيَ إليك".

وبذلك انتهت محاكمة "عادات الشرق" التى سلقتها الصحف البريطانية لفترةٍ طويلة بمجموعة من المقالات والآراء المعادية للشرق ورجالة .