السبت 20 ديسمبر 2025 الموافق 29 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
حازم عادل
توك شو

الدكتور سلامة داود يوضح بلاغة التعريف والتنكير في الدعاء القرآني والنبوي

السبت 20/ديسمبر/2025 - 06:46 م
 الدكتور سلامة داود
الدكتور سلامة داود

أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، أن أسلوب التعريف والتنكير من أدق الأساليب البلاغية في اللغة العربية، حيث تأتي الكلمة أحيانًا معرفة وأحيانًا نكرة وفق مقتضى الحال، موضحًا أن وسائل التعريف متعددة، منها التعريف بالضمير، وهو أعرف المعارف عند النحاة، ومنها التعريف بالعَلَمية، وبأسماء الإشارة، وبالأسماء الموصولة، وبالإضافة، ولكل وسيلة موضعها البلاغي الذي تُستخدم فيه لتحقيق أسمى درجات البيان والتعبير.

 

وأوضح خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، المذاع على قناة الناس، اليوم السبت، أن القرآن الكريم وكلام النبي صلى الله عليه وسلم يمثلان النموذج الأعلى والأسوة الحسنة في حسن توظيف هذه الأساليب، لافتًا إلى أن مقام الدعاء من أبرز المقامات التي يظهر فيها هذا التنوع البلاغي بجلاء، إذ يلجأ الداعي أحيانًا إلى أسلوب الخطاب فيخاطب الله سبحانه وتعالى مباشرة، فيمتلئ قلبه بجلال الله وتأنس روحه بالقرب منه، وأحيانًا أخرى يتحدث بضمير المتكلم، فيعبر عن ضعفه وانكساره وحاجته، ويُحضِر نفسه بين يدي الله فردًا واقفًا وحده يناجي ربه، حتى إذا وقف بين يدي الله يوم القيامة وحيدًا، كان له أُنسٌ سابق بخطاب ربه، فيكون حاله حال القريب من القريب، والحبيب من الحبيب، لا حال الغريب مع الغريب.

 

وأشار رئيس جامعة الأزهر إلى أن الداعي قد يعرّف نفسه أحيانًا بانصهاره في ضمير الجماعة، فيتحدث بلسان الجمع لا بلسان الفرد، معبرًا عن كونه واحدًا من جماعة تمتد أيديهم جميعًا إلى الله بالضراعة والتبتل، موضحًا أن هذا الأسلوب الجماعي في الدعاء هو الذي افتتح به القرآن الكريم في سورة الفاتحة، إذ قال الله تعالى: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ بصيغة الجمع، ولم يقل: اهدني، ليُدخل المؤمن نفسه في دائرة الجماعة، ويكون دعاؤه مع المؤمنين لا منفردًا عنهم، مؤكدًا أن يد الله مع الجماعة، وأن في هذا الأسلوب كسرًا لغرور النفس وقطعًا لدواعي الكبر، حين يشعر الإنسان أنه فرد في جماعة لا متفرد بنفسه.

 

وبيّن الدكتور سلامة داود أن من آداب الدعاء أيضًا أن يسأل العبد ربه بلفظ العموم، كأنه يدعو لنفسه وللمؤمنين جميعًا، لأن الدعاء العام أعظم فضلًا من الدعاء الفردي، مستشهدًا بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحث على تعميم الدعاء وعدم تخصيصه، لما في ذلك من سعة القبول وعلو المنزلة.

 

وتوقف رئيس جامعة الأزهر عند نماذج نبوية بليغة في استخدام التعريف بالضمير، مستشهدًا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، حين نظر إلى الصحابة في حومة المعركة وقال: «اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم»، موضحًا أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم ضمير الغيبة «هم» ثلاث مرات، مع أنه كان يمكنه أن يقول: «هؤلاء حفاة» مستخدمًا اسم الإشارة، وهو من وسائل التعريف، إلا أنه آثر ضمير الغيبة.

 

وأكد أن هذا الاختيار البلاغي يحمل دلالة دقيقة، إذ إن الصحابة كانوا قد غابوا في ساحة القتال والتحموا بالمعركة، فتفرقوا في الميدان، فناسب المقام التعبير عنهم بضمير الغيبة، وهو ما يعكس حالهم في التضحية والإخلاص والصدق، ويكشف عن عمق البيان النبوي، ودقة توظيف الأساليب اللغوية بما يتناسب مع المقام والحال، في صورة من أرقى صور البلاغة العربية والبيان الإسلامي.