الخميس 18 ديسمبر 2025 الموافق 27 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
حازم عادل
أخبار

هل السيكوباتي يولد هكذا أم تصنعه البيئة؟.. أستاذ طب نفسي يشرح الأسباب

الأربعاء 17/ديسمبر/2025 - 09:54 م
الدكتور محمد المهدي
الدكتور محمد المهدي

أكد الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر الشريف، أن تكوُّن الشخصية السيكوباتية لا يرجع إلى سبب واحد فقط، موضحًا أن الدراسات العلمية أثبتت وجود عامل وراثي لدى بعض الحالات، يتمثل في جينات معينة أو اضطرابات في التركيب البيولوجي والكروموزومات، قد تهيئ الشخص لاكتساب سمات سيكوباتية، إلا أن هذا العامل الوراثي وحده لا يكفي، بل تعززه وتفعّله عوامل بيئية ونفسية معقدة.

 

وأوضح أستاذ الطب النفسي، خلال حلقة برنامج "راحة نفسية"، المذاع على قناة الناس، اليوم الأربعاء، أن البيئة التي ينشأ فيها الطفل تلعب دورًا حاسمًا، خاصة طبيعة العلاقة بين الوالدين، وعلاقة الوالدين بالطفل، وحجم الصدمات التي يتعرض لها في مراحل مبكرة من حياته، مشيرًا إلى أن الطفل الذي يعيش حياة مضطربة، ويتنقل بين بيوت الأقارب، أو يتعرض للفقد والإهمال وعدم الاستقرار، قد تتشكل لديه رؤية قاسية عن العالم، تقوم على أن الحياة صراع، وأن الناس لا يؤتمنون، وأن عليه أن يستغل الآخرين أو يأخذ حقه بيده حتى لا يكون مظلومًا.

 

وأشار الدكتور محمد المهدي، إلى أن أخطر مرحلة في تشكيل هذه الشخصية هي السنة الأولى من العمر، حيث كشفت الدراسات أن حرمان الطفل من الحب والحنان والرعاية والدفء في هذه المرحلة المبكرة يولد لديه فقدانًا عميقًا للثقة، ليس فقط في الأم، بل في العالم كله، لأن الأم في وعيه المبكر تمثل العالم بأسره، مؤكدًا أن هذا الشعور لا يكون واعيًا أو لغويًا، بل يُخزن في الجسد والكيمياء الحيوية والنفسية للطفل، فينشأ وهو يحمل إحساسًا عميقًا بالرفض والنبذ، ما يدفعه لاحقًا للانتقام من العالم.

 

وأضاف أن تتبع السير الذاتية لكثير من الشخصيات السيكوباتية العنيفة في التاريخ كشف عن طفولات مليئة بالصدمات والقسوة والإهمال، لافتًا إلى أن المجتمع نفسه قد يعزز هذه السمات، خاصة إذا نشأ الفرد في بيئة عشوائية يسودها العنف والمخدرات والبلطجة، حيث يشعر أن البقاء يتطلب القوة والسيطرة وإرهاب الآخرين، فيكتسب هذه الصفات باعتبارها وسائل حماية.

 

وأوضح أستاذ الطب النفسي أن الدخول المبكر في دائرة الجريمة والعقاب يؤدي إلى حلقة مغلقة من العنف والعنف المضاد، حيث يختلط الشخص السيكوباتي بمجرمين أكثر خبرة داخل السجون، فيتعلم أساليب جديدة، ما يرسخ هذه السمات لسنوات طويلة. وعن صعوبة التعرف على الشخص السيكوباتي، أكد أن الأمر قد يكون سهلًا في حالة السيكوباتي العنيف الواضح، الذي تتكرر جرائمه وأحكامه، لكنه يصبح أكثر صعوبة مع السيكوباتي “الناعم” المهذب أو المبدع أو النصاب المتخفي، الذي يظهر في مواقف معينة بصورة شهامة وجدعنة، بينما تنكشف حقيقته فقط مع تتبع سلوكه عبر الزمن وتسلسل الأحداث.

 

وشدد الدكتور محمد المهدي على أن أول وأخطر علامة يمكن التقاطها هي الكذب، وما يتفرع عنه من تلوُّن وخداع ومراوغة ولف ودوران، مؤكدًا أن ظهور هذه الصفات يستوجب الحذر الشديد وعدم التعامل بحسن نية مفرطة، لأن التساهل معها قد يوقع الإنسان في أذى نفسي أو مادي بالغ.

 

وقدم مجموعة من الإرشادات للتعامل مع الشخص السيكوباتي، أهمها الحفاظ على الثبات الانفعالي وعدم إظهار الخوف، لأن السيكوباتي يستغل خوف الآخرين لابتزازهم، وعدم منحه الأسرار أو كشف مكنونات النفس أمامه، وتجنب التعامل معه في الأمور المالية قدر الإمكان، مع تقليل الاحتكاك به إلى أدنى حد دون الدخول في صراعات أو مجاراته في الكذب والمراوغة، مؤكدًا أن السيكوباتيين موجودون في كل المجتمعات وبنسبة تقارب 1%، وقد يكونون زملاء عمل أو شركاء حياة أو رؤساء في العمل، ما يجعل الوعي والحذر ضرورة لا غنى عنها.