من هم أهل الذكر؟.. هاني تمّام يجيب
أكد الدكتور هاني تمام، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف، أن الله سبحانه وتعالى أمر الإنسان بالسؤال حتى لا يضل عقله، موضحًا أن العقل إذا تُرك وحده بعيدًا عن الضوابط العلمية والقواعد المنهجية قد يضل، لأن النفس بطبيعتها أمّارة بالسوء، كما أخبر القرآن الكريم، ولذلك فإن العلم هو الضابط الحقيقي لحركة العقل، مشيرًا إلى أن الإسلام جعل العقل «مُسيَّجًا بسياج الشرع الشريف»، أي محاطًا بضوابط وقواعد ومناهج تمنعه من الانفلات، لأن تشغيل العقل دون هذه الضوابط يؤدي إلى الضلال.
وأوضح خلال حلقة "مع الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الاثنين، أن قوله تعالى: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» لا يقتصر على معنى ضيق، بل يُفهم بمعناه الواسع، حيث إن أهل الذكر هم أهل الاختصاص، فكل علم له أهله، وكل مجال له متخصصوه، فمن أراد معرفة حكم شرعي سأل أهل الشريعة، ومن أراد مسألة طبية سأل أهل الطب، ومن أراد أمرًا هندسيًا سأل أهل الهندسة، لأن السؤال لأهل التخصص يعني أخذ العلم من مصدره الصحيح والاطمئنان إلى صحة المعلومة.
وأشار أستاذ الفقه بجامعة الأزهر إلى وجود إشكالية واضحة في الواقع، تتمثل في تساهل بعض الناس في أمور الدين، مقابل التشدد والاحتياط الشديد في أمور الدنيا، موضحًا أن الإنسان إذا أراد بناء عمارة يبحث بدقة عن أفضل المهندسين والمتخصصين في كل مرحلة، وإذا مرض يبحث عن طبيب متخصص بعناية، لكنه في أمور الدين قد يسأل أي شخص لمجرد حسن السمت أو المظهر، وكأن العلم يُؤخذ بالشكل لا بالتخصص، وهو خطأ جسيم.
وشدد على أن الاحتياط في أمور الدين أولى وأوجب، لأن نتائجها تتعلق بسعادة الإنسان أو شقائه في الدنيا والآخرة، مستغربًا من حال من يتهاون في الفتوى والدين، بينما لا يقبل أي تهوين أو مجازفة في شؤون دنياه، مؤكدًا أن هذا الخلل هو من أسباب الاضطراب واللبس المنتشر في الفتاوى بين الناس.
وتطرق الدكتور هاني تمام إلى قضية تلقي العلم، مؤكدًا أن من القواعد الأصولية المعروفة أن «من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه»، موضحًا أن الاكتفاء بقراءة الكتب لا يصنع عالمًا، كما أن قراءة كتب الطب لا تصنع طبيبًا، لأن كل علم يحتاج إلى مناهج وضبط وتدرج وتلقي على أيدي المتخصصين، إضافة إلى الممارسة والتكوين العلمي الطويل.
وأوضح أن علوم الدين، وهي أشرف العلوم، لا يجوز أن تُؤخذ من الكتب وحدها، بل لا بد من دراستها على أيدي العلماء المتخصصين الذين مرّوا بمراحل علمية دقيقة، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم نفسه لا يُؤخذ من المصحف فقط، بل لا بد فيه من التلقي والمشافهة، حيث قد تجد طفلًا صغيرًا يتقن تلاوة القرآن أفضل من حامل شهادة عليا، لأنه تلقى على أيدي المشايخ بالسند المتصل.
وأكد أن الاعتماد على الكتب دون العلماء أدى إلى ما نشهده اليوم من تضارب في الفتاوى وتشتيت للناس وتلبيس عليهم، مشددًا على أن الطريق الآمن لفهم الدين هو التلقي عن أهله، والرجوع إلى العلماء الراسخين، التزامًا بمنهج الإسلام الصحيح الذي يجمع بين العلم والضبط والمنهج.



