من ملك أنفيلد إلى مرحلة التقييم.. رحلة صلاح مع جمهور ليفربول
تُعدّ علاقة محمد صلاح بجمهور ليفربول واحدة من أكثر العلاقات حضورًا وتأثيرًا في كرة القدم الأوروبية خلال السنوات الأخيرة.
فالنجم المصري، الذي انضم إلى النادي عام 2017، سرعان ما تحول إلى رمز جماهيري، قبل أن تتعرض هذه العلاقة لبعض الاهتزازات مع تغيّر الظروف الفنية داخل الفريق، خصوصًا بعد تولّي أرني سلوت القيادة الفنية.
البدايات: نجمة صاعدة تُلهب المدرجات
منذ قدومه إلى “أنفيلد”، عاش الجمهور تجربة مختلفة مع صلاح. فالأداء القوي، التهديف المستمر، والقدرة على صنع الفارق في اللحظات الحاسمة منحته شعبية هائلة.
الهتافات، الأهازيج، والاحتفالات التي تلت كل هدف جعلت الجمهور يشعر بأنهم أمام لاعب من طراز استثنائي، وأطلق كثيرون عليه لقب “ملك أنفيلد”.
لم يكن تأثير صلاح رياضيًا فقط، بل امتد إلى المجتمع المحيط بالنادي، حيث صار اسمه جزءًا من الثقافة الشعبية للمدينة، وأحد الاسماء التي تُذكر بفخر في كل زاوية.
فترة النجاحات: صلاح… رمز النجاح والهوية
مع تتالي البطولات، مثل دوري أبطال أوروبا والدوري الإنجليزي، ترسّخ صلاح في ذهن الجمهور كأحد أهم أعمدة الفريق.
مشجعو ليفربول اعتبروا مساهماته عنصرًا أساسيًا في عودة النادي للواجهة الأوروبية، وأصبح أحد أكثر اللاعبين احتفاءً داخل المدرجات.
حتى في الفترات التي شهدت تراجعًا نسبيًا في المستوى، ظل جزء كبير من الجمهور متمسكًا بالدعم، مشيرًا إلى أن “الولاء لا يُقاس فقط بالأهداف”، وأن تاريخ صلاح مع النادي يستحق احترامًا دائمًا.
مع مرور الوقت، ومع تغيّر الإدارة الفنية وظهور بعض الخلافات داخل الفريق، بدأت العلاقة بين صلاح وجمهور ليفربول تدخل منطقة أكثر حساسية.
أحد أبرز محطات التوتر كان عندما عبّر صلاح عن موقفه من تعامل الجمهور مع بعض زملائه، مثل ترينت ألكسندر أرنولد.
رأى جزء من المشجعين أن اللاعب يتدخل فيما لا يعنيه، بينما اعتبر آخرون أن تصريحاته تعكس قيمًا أخلاقية وانحيازًا للعدالة داخل الفريق.
ظهور سلوت: مرحلة جديدة… وتحديات مختلفة
مع وصول أرني سلوت إلى تدريب الفريق، دخل ليفربول مرحلة جديدة تعتمد على أفكار تكتيكية مختلفة، وأدوار متغيرة للاعبين.
في هذا السياق، شهد صلاح بعض التغييرات في موقعه داخل التشكيلة، وكذلك في دقائق مشاركته، الأمر الذي أثار نقاشًا واسعًا بين الجمهور والإعلام.



سلوت، المعروف بأسلوبه الذي يركز على التوازن والالتزام التكتيكي، حاول بناء فريق يعتمد على مجموعة من اللاعبين بدلًا من الاعتماد على عنصر واحد.
هذه الفلسفة أثّرت بشكل طبيعي على دور صلاح، خصوصًا أن الجماهير اعتادت رؤيته في مركز الثقل هجوميًا.
ورغم أن المدرب سعى إلى الحفاظ على الانضباط الفني، فإن القرارات التي اتخذت جعلت الجمهور منقسمًا:
فئة رأت أن صلاح، بما يمتلكه من خبرة وتاريخ، يجب أن يبقى في قلب التشكيلة.
وفئة أخرى رأت أن سلوت يطبّق رؤيته بشكل منطقي وأن الفريق يجب أن يكون هو المحور، لا الأسماء.
هذا التباين كشف عن حساسية العلاقة بين النجم والجمهور، خصوصًا عندما يتقاطع الأداء مع التغيير الفني.
ردود فعل الجمهور: ولاء… لكن مع نقاش
مع كل قرار فني أو مباراة، كان جمهور ليفربول يُظهر مزيجًا من العاطفة والواقعية.
فالدعم لصلاح ما زال موجودًا بقوة، خصوصًا من الذين يرون فيه جزءًا من تاريخ النادي الحديث.
لكن في الوقت نفسه، ظهر نقاش حول مستقبل الفريق والضرورة المحتملة لتغيير بعض العناصر، بما في ذلك النجم المصري.
هذا النقاش يعكس طبيعة جمهور ليفربول، الذي يتميز بالالتزام بشعار النادي: “لن نسير وحدنا”، ويضع مصلحة الفريق قبل أي اعتبارات فردية.
العلاقة اليوم ، تقدير كبير… لكن الواقع يتغير
في الوقت الحالي، تمر العلاقة بين صلاح وجمهور ليفربول بمرحلة دقيقة.
فالجمهور لا يزال يقدّر ما قدمه اللاعب، ويعتبره أحد أعمدة النادي، لكن التغييرات الفنية، والأداء المتذبذب للفريق، وتوجهات سلوت التكتيكية، أثّرت على شكل العلاقة.
الجمهور يدرك أن صلاح جزء من ذاكرة النادي، لكنهم في الوقت ذاته يتابعون التطورات بعين ناقدة، كما يفعل أي جمهور محترف يبحث عن أفضل ما يخدم فريقه.
علاقة محمد صلاح بجمهور ليفربول ليست علاقة عابرة، بل قصة طويلة من النجاح والولاء والاحتفاء.
لكن كرة القدم، بما تحمله من تغيّر مستمر، قد تضع حتى أكبر النجوم في مواقف معقدة.
سلوت، برؤيته الجديدة، فتح صفحة مختلفة في تاريخ الفريق، وأثّر ذلك على موقع صلاح داخل المنظومة، ما جعل العلاقة مع الجماهير تمرّ بمرحلة اختبار.
ومع ذلك، يبقى صلاح في ذاكرة الجماهير أحد أهم لاعبي النادي في العصر الحديث، مهما تغيّرت الظروف، لأن النجاحات التي صنعها لا يمكن أن تُمحى بسهولة.