الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

«مرقص باشا حنا».. البطل الذي حمى كنوز توت عنخ آمون من النهب الاستعماري

الإثنين 03/نوفمبر/2025 - 01:04 م
مرقص باشا حنا
مرقص باشا حنا

في الوقت الذي يرتبط فيه اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون باسم البريطاني هوارد كارتر، تغيب عن ذاكرة كثيرين شخصية مصرية لعبت الدور الأبرز في حماية هذا الكنز التاريخي من النهب والتهريب إلى المتاحف الأجنبية، إنه مرقص باشا حنا، الوزير الوطني الذي تصدى بشجاعة للإمبراطورية البريطانية عام 1924.

كان مرقص باشا حنا من أبرز زعماء ثورة 1919، وتولى منصب وزير الأشغال العامة وهي الجهة المسؤولة آنذاك عن الآثار المصرية. وبعد افتتاح المقبرة رسميًا، فوجئ بأن كارتر يمنع المصريين من دخولها، ويسمح فقط للصحفيين والزوار الأجانب بالتجول والتصوير دون رقابة، وهو ما أثار الشبهات حول نوايا تهريب محتوياتها كما حدث مع مقابر أخرى.

اتخذ مرقص باشا قرارًا تاريخيًا، وهو إغلاق المقبرة بالكامل وتشديد الحراسة عليها بواسطة الشرطة المصرية، مع السماح بالدخول فقط بتصريح رسمي ومندوب مصري مرافق للجولة داخل المقبرة، مع تفتيش جميع الخارجين من الموقع بمن فيهم كارتر نفسه.

كما أثارت هذه القرارات غضب الصحافة البريطانية، خاصة جريدة The Times التي شنت هجومًا شرسًا عليه وطالبت بمحاكمته، غير أنه أصر على موقفه مؤكدًا أن هذه الآثار ملك للشعب المصري.

ولقطع الطريق نهائيًا أمام مخططات نهب آثار المقبرة، أصدر مرقص باشا تعليمات صارمة بـ:

-تسجيل كل قطعة وكل أثر داخل المقبرة بحضور كارتر

-نقل التحف أولًا بأول إلى المتحف المصري بالقاهرة وسط حراسة مصرية مشددة

-تحميل كارتر المسؤولية القانونية عن أي اختفاء أو تلف لأي قطعة

واضطر البريطانيون للجوء إلى القضاء عبر دعوى أمام المحكمة المختلطة، زاعمين أن نصف محتويات المقبرة من حق اللورد كارنارفون، ممول الحفائر. 

ورغم حكم أول درجة لصالحهم، رفضت حكومة سعد زغلول التنفيذ وتقدمت باستئناف قوي أمام محكمة الإسكندرية.

قدّم مرقص باشا للمحكمة وثيقة حاسمة، تصريح التنقيب الممنوح لكارتر، والذي ينص على تقسيم الآثار فقط إذا كانت المقبرة قد تعرضت للسرقة سابقًا. وبما أن كارتر نفسه أعلن عالميًا أن المقبرة سليمة بالكامل، سقط ادعاؤه تمامًا.

وبناءً على ذلك، قضت محكمة الاستئناف بأن:

آثار المقبرة مصرية خالصة، لا ولاية للمحاكم المختلطة على قرارات الحكومة المصرية في هذا الشأن

وبذلك كتب مرقص باشا صفحة مجيدة في سجل حماية التراث، وبفضله بقيت كنوز توت عنخ آمون في مصر، شاهدة على حضارة يندر مثيلها حول العالم.

ورغم هذا الدور الوطني العظيم، لا يزال اسمه غائبًا عن كثير من الروايات التاريخية المرتبطة باكتشاف المقبرة، حان الوقت ليأخذ مرقص باشا حنا مكانته المستحقة كبطل من أبطال صون الهوية المصرية وحماية آثارها من السطو الاستعماري.