الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
حازم عادل
عربى ودولى

من رحم الحرب إلى فراق الحدود.. مأساة الأمهات في السودان

الأحد 19/أكتوبر/2025 - 04:33 م
السودان
السودان

مأساة الأمهات  في السودان.. كما يحدث بين أي بلدين مجاورين، كانت أمهات يقمن في العاصمة السودانية الخرطوم، مع أبنائهن في جو عائلي هادئ، معتمدات على اتفاقيات حسن الجوار، وتطبيق القوانين الدولية .


وفجأة، تحولت حياتهن إلى كابوس، ترحيل قسري إلى دولة جنوب السودان، بدون إشعارات، بدون صغارهن، ما أحدث حالة استياء كبير بين السودانيين.


"قوةً أمنية اقتحمت منازلنا وأمرت النساء بالركوب في السيارات، عندما طلبنا منهم اصطحاب أبنائنا قالوا لا داعي لذلك، وسنعيدكن إلى منازلكن بعد استخراج البطاقات، لكنهم رحّلونا بسرعة إلى جنوب السودان”.. تقول إحدى ضحيات عمليات الترحيل القسري في مقطع فيديو تداولته وسائل التواصل الاجتماعي.


وأكدت امرأة أخرى، أن القوة أوقفتها أثناء عودتها من السوق ولم تسمح لها بالعودة إلى المنزل لاصطحاب أطفالها، فيما اعتُبر الحادث انتهاكًا صارخًا للعلاقات بين البلدين.


وقال الصحفي الجنوب سوداني أتيم سايمون في إن “الرحلة الخامسة” التي نفذتها السلطات بورتسودان " لترحيل الجنوبيين كانت الأكثر قسوة، إذ تم خلالها فصل الأمهات عن أطفالهن وإلقاؤهن في المناطق الحدودية بين البلدين دون أي إجراءات رسمية أو إنسانية."


وأضاف في تصريح لراديو دبنقا أن “خطورة هذه الخطوة تكمن في أن السلطات السودانية لا تُبدي أي اكتراث لطبيعة العلاقات بين البلدين، وتتصرف بعقلية قديمة ترى في جنوب السودان إقليمًا تابعًا للسودان، وهي نظرة ما زالت مترسخة داخل بعض الأجهزة الأمنية والاستخباراتية”.


وأشار إلى أن بورتسودان، " لا تزال تنظر إلى علاقتها مع جوبا من منظور الأطماع الاقتصادية، وتحديدًا عبر أنبوب النفط الذي يمرّ عبر الأراضي السودانية، وكأن العلاقات بين الشعبين محصورة في هذا الجانب فقط”. وأكد أن “هذه النظرة الضيقة تتجاهل الأبعاد الإنسانية والمصالح المشتركة، وتُبقي العلاقة بين البلدين رهينة للنفط والمصالح الآنية، بدلًا من أن تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المتوازنة”.

 

تنديد شعبي

وأثارت عمليات الترحيل، جدلا واسعا بين السودانيين، لما لها من تأثير نفسي على الأمهات، وما قد يترتب من تداعيات على ذلك، بالنسبة للأطفال.


وفي سياق متصل، أدان التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” بشدة، ترحيل الجيش السوداني “وسلطته ببورتسودان” ومليشياتها المساندة، للعشرات من دولة جنوب السودان بشكل قسري، ووصفه بأنه سلوك غريب على الأخلاق السودانية، ومخالف للأعراف الدولية التي تضمن كرامة الإنسان وحقه في الحماية.


وأعرب في بيان 15 أكتوبر 2025، عن بالغ القلق لما أسماه “الإجراءات المتعسفة من سلطة الأمر الواقع”، التي لم تكترث لعلاقات الأخوة والمصير المشترك، والأواصر الحميمة بين شعبي السودان وجنوب السودان. وتابع: “إن هذا العسف ليس مستغرباً على سلطة أعادت ذات الوجوه الكالحة التي أطاحت بها ثورة ديسمبر المجيدة، وأضحت حاضنة وأم رؤوم للعنصريين والمتطرفين، ودعاة التقسيم على أسس اجتماعية”.


واستنكر ”السلوك البربري، والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان” خاصة في ظروف النزاع. وأكد أن كل محاولات فلول النظام البائد ومليشيات التطرف الديني والعرقي لتقويض العلاقات الأخوية والتاريخية بين شعبي السودان وجنوب السودان لن تفلح في تهديد الروابط الإنسانية التي تجمع بينهما.


وطالب  الجيش السوداني والمليشيات المساندة له، بالتوقف الفوري عن مثل هذه الإجراءات، والعمل على ضمان سلامة وكرامة جميع المدنيين، بغض النظر عن جنسيتهم أو خلفيتهم، وفتح تحقيق عاجل في هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها. ودعا  المجتمع الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان، ووكالات الأمم المتحدة، إلى التدخل العاجل لتقديم الدعم والحماية للمتضررين، وضمان لمّ شمل الأسر التي فُصلت قسرًا، وتم ترحيل أفراد منها جبراً في ظروف غاية في الصعوبة والقسوة.


زعزعة الاستقرار

ومنذ اندلاع الحرب منتصف إبريل 2023، دخلت السودان، في أزمات مع دول الجوار، بسبب تصريحات من قادات الجيش في بورتسودان، ما عزز من عزلة السودان إقليميا ودوليا.


وكان الفريق ياسر العطا، قد أطلق تهديدات ضد دولتي تشاد وجنوب السودان، في تصريحات وصفت بمحاولات لتصدير الأزمة السودانية إلى الخارج.
وقالت الخارجية التشادية ردا على تلك التصريحات، إن تهديدات العطا في شأن استهداف مطاري نجامينا وأم جرس بمثابة "إعلان حرب". وأكدت في بيان رسمي استعدادها للرد بقوة على أي اعتداء محتمل من أجل الحفاظ على سيادتها، مما يشكل نقطة تحول في العلاقات بين البلدين.


ويمثل التهديد العسكري الذي أطلقه ياسر العطا، خطراً على الاستقرار الإقليمي، إذ يحتمل أن تتحول المناطق الحدودية إلى ساحات لتصفية الحسابات السياسية على حساب الشعوب التي تحاول التعايش في تناغم. بحسب منى عبد الفتاح.


وقالت إنه "في ظل التصعيد، نبعت مخاوف أخرى من أن يؤدي الأمر إلى تنامي خطر الجريمة المنظمة، وتدفق الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود، ويتحول السودان إلى بؤرة عدم استقرار يمتد تأثيرها لتلتحم منطقة القرن الأفريقي بدول الساحل."

 

تعميق الأزمة

في غضون ذلك، تتواصل الجهود الدولية لإنهاء الحرب السودانية التي تسير إلى دخول عامها الثالث، حيث تسببت في مقتل آلاف السودانيين، ونزوح الملايين.
ووسط الدعوات الدولية، تستمر بورتسودان في تعميق الأزمة الإنسانية، عبر إصرارها على استمرار الحرب، ورفض قادتها الجلوس على طاولة حوار.
وفي هذا السياق، جلبت مرتزقة أجانب عبر  شبكة سرية تُجنّد جنودًا كولومبيين متقاعدين للمشاركة في الحرب، بوعود كاذبة، وذلك بعد خسارة آلاف الجنود.
جاء ذلك في تحقيق نشره موقع in depth reports،  وقال إن ظاهرة المرتزقة، أو المقاولين العسكريين، شهدت طفرةً لافتةً خلال العقدين الماضيين، حيث تطورت من حالات فردية متفرقة إلى صناعة عابرة للحدود تُنتج جيوشًا مساعدة أو وحدات صغيرة تُنفذ مهام قتالية وأمنية دقيقة. وفي قلب هذا الصعود، برزت كولومبيا كواحدة من أهم المستودعات البشرية التي تُغذي هذه السوق العالمية.


وتم نشر المرتزقة الكولومبيين في أكثر خطوط المواجهة سخونة، وخاصة في ولايتي دارفور وكردفان، بعد تكوين "في العادات المحلية وكلمات الأوامر العربية الأساسية مثل يمين، يسار، إطلاق النار، قف لتسهيل التنسيق الميداني مع القوات السودانية."


ومع ذلك، تسبب وجود هؤلاء في حالة من الفوضى داخل معسكر بورتسودان، فقد ألمح ضابط سابق في هيئة الأركان العامة السودانية إلى "حالة من الارتباك داخل بعض الوحدات العسكرية بسبب وجود جثث لم تُسلّم قط لعائلاتها، ولا تتطابق هوياتها مع سجلات الجيش السوداني". وأضاف: "تمّ تسجيل أسماء القتلى، ولا يمكن لأحد تحديد هوياتهم". 


وأثارت قضية المرتزقة الذين قُتلوا في السودان إلى جانب الجيش السوداني، دون عودة رفاتهم، غضبًا شعبيًا في كولومبيا بحسب التحقيق. في موازاة ذلك، يتابع المحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان هذه القضية بقلق متزايد.


وقال جوستافو خوان راميريز، المحامي الكولومبي الذي يعمل مع عائلات الضحايا لاستعادة رفات أحبائهم: "ما يحدث مأساوي. تنتظر عائلات بأكملها دفن أبنائها بكرامة، لكن الحقيقة هي أن الكثيرين تُركوا في السودان دون أثر. هذا ليس انتهاكًا للقانون الدولي فحسب، بل هو جرح إنساني عميق يُضاعف معاناة الأمهات والزوجات اللواتي لا يملكن حتى قبرًا ليزورنه".