الأحد 07 ديسمبر 2025 الموافق 16 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

عبد المحسن سلامة يقدم رؤية شاملة حول مستقبل تطوير الصحافة والإعلام في مصر

الخميس 25/سبتمبر/2025 - 02:48 م
الكاتب الصحفي عبد
الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة

قدم  الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة، عضو المجلس الأعلى للإعلام؛ ورقة عن مستقبل تطوير الصحافة والإعلام ، قال فيه أود أن أشكر الرئيس عبد الفتاح السيسي على مبادرته التي أطلقها بشأن تطوير الصحافة والإعلام، وهو ما يؤكد أهمية الصحافة والإعلام في عقل الرئيس وقلبه، وإيمانه بدورها وتأثيرها في الوقت الحالي وفي المستقبل.

 ضبط التعريف الخاص بالصحافة والإعلام


وأضاف سلامة، أن من المهم ضبط التعريف الخاص بالصحافة والإعلام بحسب رؤيتى؛ حيث أقصد الصحافة بمفهومها الواسع والشامل: (صحافة مطبوعة، وصحافة إلكترونية، وصحافة مسموعة، وصحافة مرئية، وصحافة مواطن)، أي إنني حينما أتحدث عن الصحافة ومستقبلها فإن الحديث يمتد إلى كل هذه الأشكال بلا استثناء.
وطرح  عضو المجلس الأعلى للإعلام سؤلاً قائلاً: هل هناك مستقبل للصحافة والإعلام بكل أشكالها في ظل التحديات الحالية، والانتشار الواسع للسوشيال ميديا، وتحول التليفون المحمول "الموبايل" إلى حالة إدمان لدى قطاع كبير من الأفراد خاصة الأجيال الجديدة من الشباب والأطفال، ما أدى إلى خلق فجوة رهيبة بين هذه الأجيال وبين وسائل الصحافة والإعلام بكل أشكالها التقليدية أو حتى الإلكترونية؟


وأكد أنه لا بديل عن مهنة الصحافة والإعلام بكل أشكالها التى أشرت إليها سابقًا حتى نهاية الزمان، وهناك فرق ضخم بين ما تقوم به السوشيال ميديا، وبين أدوار الصحافة والإعلام، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا بديل عن الصحافة والإعلام في تغطية أحداث الحروب، والكوارث، والنزاعات الدولية مثلما يحدث في غزة، وأوكرانيا، والسودان، واليمن، وغيرها من مناطق النزاعات والاضطرابات في العالم.

 

وأضاف عبد المحسن، إذا ابتعدنا قليلًا عن النزاعات والحروب، وذهبنا إلى الأحداث الرياضية والفنية، فليس هناك بديل لتغطية المباريات العالمية، أو الإقليمية، أو المحلية، وكذلك المهرجانات الفنية، وغيرها من تلك الفعاليات الترفيهية، والرياضية، والفنية، مضيفاً أنه لا يوجد بديل حتى الآن، ومستقبلًا سوف يظل الحال كذلك حتى لو اختلفت الأشكال، وظهرت أشكال جديدة غير متوقعة حاليًا مثل ما حدث في الذكاء الاصطناعي إلا إذا تطورت وسائل السوشيال ميديا ونجحت في معالجة مشكلاتها، وفي تلك الحالة يمكن أن تنضم إلى شكل من أشكال العمل الصحفي.

 

التطويرضرورة حتمية 

وأشار إلى أن الحديث عن التطوير يصبح ضرورة حتمية وإلا أسهمنا جميعًا في حدوث مشكلات مستقبلية أكبر لتلك المهنة سواء بالتعالي وإهمال التطوير، أو عدم استغلال الفجوات الحالية الناتجة عن سوء استخدام السوشيال ميديا، وتراجع مصداقيتها نتيجة انتشار الأخبار المزيفة بها وهو ما يؤكد وجود فارق هائل بين مصداقية الصحافة والإعلام وبين أكاذيب وشائعات السوشيال ميديا كما يحدث كل يوم تقريبًا.

وقال إن بوابة عودة الصحافة والإعلام تبدأ من تأكيد مفهوم المصداقية والموضوعية معًا، وإيصال تلك الرسالة إلى القراء، والمستمعين، والمشاهدين، وأصحاب التليفونات المحمولة المدمنين لها.

 

النهوض بالصحافة والإعلام 

وأوضح الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة، أن النهوض بالصحافة والإعلام يحتاج إلى العمل بكل جدية في العديد من الخطوط المتوازية التي تسير جنبًا إلى جنب دون تقاطع، أبرزها فى تصورى ما يلي:


أولا - المحتوى


وأكد سلامة،  لن يكون هناك مستقبل لمهنة الصحافة والإعلام بمختلف أشكالها دون تطوير المحتوى، وإدخال أنماط جديدة من الصحافة الاستقصائية، والتقارير، والأبحاث والدراسات المعمقة، واستطلاعات الرأي، وغيرها من الأشكال الصحفية العميقة التي تنفرد بها الصحافة دون سواها، حيث تحتاج تلك الأشكال إلى فرق عمل منظمة، وجهد كبير، وأوقات زمنية قد تطول أو تقصر من أجل تحقيق الأهداف المنشودة لتلك الأعمال.

وأضاف أنه، يدخل في هذا السياق، زيادة المساحات المتاحة لصفحات الرأي، والاهتمام بها، ويكفي أن نعرف أن مقالات الرأي، في أغلب الأوقات، هي الأعلى قراءة في المواقع الإلكترونية بالعديد من الصحف اليومية.
بمراجعة بسيطة لأرقام توزيع الصحف نجد أن هناك تراجعًا رهيبًا في الأرقام لأسباب كثيرة ومتنوعة، لكن السبب الأهم في تصوري هو ضعف المحتوى والمضمون، والاستسهال، لدرجة أن معظم التقارير والأخبار المنشورة كلها "مُعَلَّبَة" وسابقة التجهيز، ويتم التعامل معها من خلال مجموعات "الواتس" وهو ما يستدعي مراجعة هادئة لتلك الثغرات والإشكاليات.


وتابع أن ذلك، يرتبط بالمحتوى أيضًا ضرورة رفع سقف الحريات، فلا صحافة دون حرية، بغض النظر عن الأوضاع والتجارب الصحفية في الخمسينيات والستينيات التي لم تتوافر لها سقف حريات  مرتفع، لكن الأوضاع والظروف كانت مختلفة، ولم تكن هناك أجواء وسماوات مفتوحة كما هي الآن، ومن ثم فلابد من أن يكون هناك سقف حرية مرتفع ما دام هناك التزام بالقواعد المهنية، وميثاق الشرف الصحفي.


ثانيا - قانون تداول المعلومات 


وقال عضو المجلس الأعلى للإعلام عبدالمحسن سلامة، إن قانون حرية تداول المعلومات من القوانين المكملة للدستور، ومن المهم سرعة إصدار هذا القانون في سياق رؤية تطوير مهنة الصحافة والإعلام، وأهمية هذا القانون تكمن في توفير المعلومات اللازمة لعمل الصحفي في مختلف المجالات، وخاصة تلك المجالات التي لا خلاف بشأنها بعيدًا عن مجالات الأمن القومي، والقوات المسلحة، وكل ما يتعلق بالمعلومات السرية والاستراتيجية.

وأشار أن توافر المعلومات يعني القدرة على المحاسبة؛ لأنه لن يكون هناك أدنى مبرر لنشر معلومات مغلوطة، أو بيانات خاطئة، ما دامت قد توافرت القدرة على جلب المعلومات الدقيقة والبيانات الحقيقية من مصادرها الرسمية.


ثالثًا - الأوضاع الاقتصادية


وأكد سلامة أن  الأوضاع الاقتصادية للمؤسسات الصحفية تظل هي الأهم في تلك المنظومة، والرقم الصحيح في معادلة التطوير؛ لأنه لن تكون هناك قدرة على إحداث تطوير حقيقي ما دامت القدرة الاقتصادية غير متوافرة.

وأشار أن التطوير يتطلب بالضرورة تحديث الآلات، والمعدات، وتوفير التدريب اللازم، ورفع مستوى معيشة الصحفيين والعاملين بالمؤسسات الصحفية، ولن يحدث ذلك دون بحث ملف الأوضاع الاقتصادية للمؤسسات الصحفية بمختلف أشكالها وأنماطها (قومية، وخاصة، وحزبية).


ونوه أن  تكون المؤسسات القومية أفضل حالًا، وأكثر قدرة على تطوير أوضاعها من باقي المؤسسات الأخرى، إذا ما تم استغلال واستثمار أصولها بشكل أكثر فاعلية، واستكمال منظومة تطويرها، وتنويع مصادر دخلها، بالإضافة، إلى تنويع مصادر الدخل لا يعني تغيير نشاط المؤسسات الصحفية القومية لكنه يستهدف توفير مصادر تمويل للنشاط الصحفي الرئيسي بما يتطلبه من أعباء مالية والتزامات ثابتة ومتغيرة للعمل في تلك المؤسسات (رواتب وأجور، ومستلزمات طباعة، وتكاليف التطوير والتحديث بكل مشتملاته)، خاصة في ظل تدهور إيرادات التوزيع والإعلانات التي كانت هي المصدر الرئيسي للدخل في المؤسسات الصحفية.

وأشار أن  تجربتي التى تشرفت بها في مؤسسة الأهرام، أكدت أنه من الممكن تنويع مصادر الدخل عن طريق استغلال الأصول واستثمارها، لما تملكه مؤسسة الأهرام من إمكانات تجعلها قادرة على تخطي أزماتها الاقتصادية والوصول إلى التوازن المالي خلال سنوات قليلة مقبلة.


وبين أن  بالنسبة لوسائل تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية العالمية والإقليمية نجد أن هناك بعض المؤسسات يتم تمويلها بشكل مباشر من موارد الدول التي تقوم بإصدارها مثل شبكة "الجزيرة" في قطر، و"العربية" في السعودية، و"سكاي نيوز" في الإمارات، و"روسيا اليوم" في روسيا، والحرة في أمريكا، و"فرنسا 24" في فرنسا، والـ "B.B.C" في بريطانيا، والـ" D W" في ألمانيا، وغيرها.


وأضاف أيضًا هناك أنماط أخرى مثل المجموعة المالكة لشركة "فيات" واستحواذها على أكبر صحيفتين في إيطاليا "لاريبوبليكا"، و"لاستامبا"، وهما أكبر صحيفتين يوميتين في إيطاليا، بالإضافة إلى مجلة "ليسبرسو".
في الاتجاه نفسه، تبرز أنماط تمويل أخرى مثل "الواشنطن بوست"، و"النيويورك تايمز"، وقدرتهما على التأقلم والتعايش، واستحداث وسائل تمويل جديدة ومتنوعة.
 


رابعًا - شبكة التوزيع 


وفي قطاع التوزيع، قال سلامة إنه لا يمكن تجاهل دور شبكات توزيع الصحف الحالية في تراجع معدلات التوزيع بعد اختفاء بائع الصحف التقليدي بسبب تدني مستوى هامش الربح المتاح له، كما ضربت المشكلات الاقتصادية شركات توزيع الصحف التابعة للمؤسسات القومية الثلاث (الأهرام، والأخبار، ودار التحرير) ما يستوجب تحديث هذه الشركات، أو تطويرها، أو حتى دمجها وتوحيدها في شركة حديثة ومتكاملة.


وأضاف أن الأهم هو فتح منافذ توزيع جديدة للصحف في محطات البنزين، والسوبر ماركت، لتصل الصحف إلى كل من يريدها، وكذلك إعادة توزيع الصحف على طائرات مصر للطيران، وفي المطارات، كما كان يحدث من قبل، وليس معقولًا إصرار مصر للطيران والمطارات الاستمرار في محاذير "كورونا" رغم ثبوت أخطاء تلك المحاذير وعدم مصداقيتها، موكداً أن المشكلة الكبرى الآن هو عدم إتاحة الصحف لمن يرغب في قراءتها، ومن ثم تختفي الصحف رويدًا رويدًا من اهتمامات الحريصين على القراءة والمتابعة.

 


خامسًا - التجارب العالمية 


و أشار أن دراسة التجارب العالمية مثل تجربة اليابان التي لا تزال الصحف تحتفظ بنسبة كبيرة من القراء، ولا تزال بعض صحفها تقوم بتوزيع ملايين النسخ يوميًّا رغم أن اليابان هي "أم التكنولوجيا دون منازع، كما أن هناك تجربة الهند التي يتزايد بها توزيع الصحف في نموذج متفرد عالميًّا، وهناك تجارب أخرى مثل "الواشنطن بوست"، و"النيويورك تايمز"، وغيرهما من تلك الصحف التي قامت بالتطوير والتحديث، والتوسع في الاشتراكات الإلكترونية، والرقمية، والـ  Pdf، لتعويض خسائر التوزيع الورقي.


وأضح عبدالمحسن  سلامة، أن ميزة هذه التجارب أنها قادمة من دول تفصلنا عنها ملايين الأميال التكنولوجية، وعشرات السنوات المعرفية، ومع ذلك لا تزال الصحف ووسائل الإعلام فيها رقمًا صحيحًا ومؤثرًا، ما يستوجب دراسة هذه النماذج بهدوء للاستفادة منها في الحالة المصرية.


وحول  الأمية الأبجدية، والأمية الثقافية، أكد أننا في مصر لدينا ظروف أكثر تعقيدًا ونحتاج إلى الصحافة والإعلام أكثر من هذه الدول لخطورة عشوائية استخدام وسائل السوشيال ميديا في المجتمع المصري، ومن ثم فإنه من المهم دراسة هذه النماذج وتمصيرها قدر المستطاع، والاستفادة بها.


واختتم عضو المجلس الأعلى للإعلام عبد المحسن سلامة، أن هذه هي بعض رءوس الموضوعات السريعة التي تحتاج إلى تفصيلات، وإضافات كثيرة أخرى ومتنوعة لتحقيق فلسفة تطوير الصحافة والإعلام، والوصول إلى الأهداف المنشودة حاليًا ومستقبلًا من هذا التطوير لمواجهة التحديات الخطيرة الحالية والمستقبلية، وكيفية الحفاظ على الهوية الفكرية، والثقافية، والحضارية للمجتمع المصري.