الحسم العسكري ورغبة التوسع يهددان حلم الاندماج والتطبيع الإسرائيلي
وسط تقديرات بأن عمليتها العسكرية التي بدأتها في مدينة غزة دفعت نحو 90 ألف فلسطيني للنزوح جنوبا حتى الآن، هددت إسرائيل بالمضي قدما في خططها الرامية إلى حسم الحرب في القطاع عسكريا، متوعدة بتصعيد ضرباتها خلال الأسبوع الجاري مع التركيز على عمليات القصف الجوي واستهداف الأبراج العالية.
ونقلت إذاعة الجيش عن رئيس شعبة العمليات في قيادة أركان الجيش الإسرائيلي قوله إنه "إذا لم تستسلم حماس في إطار عملية عربات جدعون 2 قد نذهب إلى عربات جدعون 3 وربما إلى أكثر من عملية عسكرية، لا أريد تصور ذلك، لكن قد يحدث هذا بالفعل".
وأضاف: "من الصعب تحديد النقطة التي نرى فيها حركة حماس تستسلم".
ويرى مراقبون أن إسرائيل عازمة على خططها لدفع مئات آلاف الفلسطينيين نحو الجنوب على الحدود مع مصر، على الرغم من رسائل التحذير التي وجهتها القاهرة إلى تل أبيب، عبر العديد من القنوات الدبلوماسية، من خطورة ما تنطوي عليه هذه الخطوة وانعكاساتها المحتملة على العلاقات بين البلدين وسط توتر ملحوظ بينهما.
وفي الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل فرض إملاءاتها وشروطها على حماس لوقف الحرب، التي يصفها محللون بأنها وصفة استسلام، جددت الحركة التزامها وتمسكها بالموافقة التي أعلنتها مع فصائل فلسطينية أخرى على مقترح الوسطاء لوقف إطلاق النار في 18 أغسطس/آب الماضي.
كما تركت الحركة الباب مفتوحا أمام أي مسعى لوقف الحرب المستمرة منذ 23 شهرا والتي تحصد أرواح عشرات الفلسطينيين يوميا. وأكدت حماس في بيان انفتاحها على أي أفكار أو مقترحات "تحقق وقفا دائما لإطلاق النار وانسحابا شاملا لقوات الاحتلال من القطاع، ودخولا غير مشروط للمساعدات وتبادل أسرى حقيقيا من خلال مفاوضات جادة عبر الوسطاء".
وتزامن ذلك مع كشف هيئة البث الإسرائيلية عن مقترح جديد لصفقة شاملة يرتقب أن تقدمه مصر والولايات المتحدة وقطر هذا الأسبوع.
وتراهن إسرائيل على إفراغ مناطق وسط القطاع عبر نزوح الفلسطينيين نحو الجنوب تحت وطأة عمليات القصف المكثفة، دون الالتفات إلى تحذيرات داخلية وخارجية من مغبة ذلك على حياة من تبقى من الرهائن واحتمال سقوط المزيد من القتلى في صفوف الجيش أو أسرهم.
كما يرى محللون أن مضي حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو في هذا الاتجاه بالتزامن مع تعالي الأصوات المنادية بضم الضفة الغربية يلقي بظلال من الشك على مصير الاتفاقيات الإبراهيمية ورغبة تل أبيب في توقيع المزيد منها وتوسيع دائرة اندماجها في محيطها العربي.
ولعل التحذير الذي أطلقته دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرا بشأن خطط ضم الضفة، كان دليلا على ذلك، حيث نقلت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية وصف أبوظبي له بأنه "خط أحمر سيقوض اتفاقايات أبراهام". وذكرت القناة العبرية أن تهديد الإمارات تسبب في "تجميد مناقشات الضم".
كما ألقت صحيفة واشنطن بوست الضوء على هذا الموقف، موضحة أنه جاء بعد "سلسلة من تحذيرات سرية نقلت إلى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ولم تتم الاستجابة لها".
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى إجراء نقاشات مكثفة في إسرائيل مؤخرا حول احتمال فرض السيادة على الضفة الغربية، "لكن تحذيرا غير مسبوق من دولة الإمارات العربية المتحدة غير جدول الأعمال الحكومي وأدى إلى إزالة هذا الموضوع من على طاولة المباحثات".
وكان أنور قرقاش مستشار رئيس دولة الإمارات كتب قبل أيام منشورا على منصة إكس قال فيه إنه "في هذه الأوقات الصعبة، ترسل الإمارات رسالة واضحة: الضم خط أحمر ويجب أن تظل عملية السلام عبر حل الدولتين هي السبيل الوحيد للمضي قدما... ضم الضفة الغربية خط أحمر سينهي الاندماج الإقليمي".
وأقر مسؤول إسرائيلي للصحيفة بأن التحذير الإماراتي "فاجأ" مكتب نتنياهو، إلا أنه على الرغم من تجميد مناقشة مسألة الضم مؤقتا، لا يزال موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي غامضا، لاسيما في ظل استمرار ضغط اليمين المتطرف للمضي قدما في الخطط ذات الصلة بهذا الشأن مستغلين الدعم الأمريكي.
ومع اقتراب موعد مؤتمر حل الدولتين في 22 سبتمبر/أيلول الجاري، على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والذي ينتظر أن يشهد إعلان المزيد من دول العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، تبقى جميع الاحتمالات مفتوحة بشأن المسار الذي ستسلكه إسرائيل، فإما أن تختار التوجه نحو التوسع والتصعيد ضاربة عرض الحائط بنهج سعت إليه منذ سنوات بالاندماج مع جيرانها، أو أن تتراجع عن خططها المعلنة في هذا الصدد وتفتح الباب أمام تسوية يخرج منها الجميع فائزا.