الأحد 07 ديسمبر 2025 الموافق 16 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

موجات الحر القاتل.. كيف تحمي دول الجنوب الأوروبي عمالها من الحر القائظ؟

السبت 30/أغسطس/2025 - 11:57 ص
ايطاليا
ايطاليا

منذ زمن بعيد تضطر دول الجنوب الأوروبي مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا إلى حماية العاملين لديها وسكانها بوجه عام من الحرارة الشديدة بوسائل مختلفة، تتراوح بين المظلات والغرف المكيفة وصولًا إلى حظر العمل في منتصف النهار. وفي بعض البلدان هناك لوائح قانونية، بينما تعتمد بلدان أخرى على إجراءات راسخة منذ زمن مثل فترة القيلولة، وإغلاق المتاجر في ساعات الظهيرة، والعمل لفترات أطول في المساء.
فيما يلي نظرة عامة على هذه الإجراءت:

 

في اليونان تُدق أجراس الإنذار عندما يغلق معلم أثينا الشهير "الأكروبوليس" أبوابه أمام السياح والموظفين خلال ساعات الظهيرة. فعندما تتجاوز الحرارة في الظل 40 درجة مئوية، يشعر الناس هناك – تبعًا للملابس وظروف الرياح – وكأنها بين 55 و60 درجة. وقد يؤدي ذلك إلى مشاكل في الدورة الدموية والجفاف.

 

العمل من المنزل وأجهزة التكييف


بالنسبة لأولئك الذين لا يملكون أجهزة تكييف في منازلهم، تفتح المدن الكبرى في اليونان أثناء موجات الحر مباني عامة مكيّفة، حيث يمكن لهؤلاء الأشخاص قضاء النهار بداخلها. كما تتخذ وزارة العمل اليونانية إجراءات منها حظر العمل في الهواء الطلق بالمناطق المتأثرة بالحرارة بين الساعة 12:00 و17:00 – بالنسبة لعمال البناء والقطاع الزراعي، وكذلك لموظفي خدمات التوصيل الذين ينقلون الطعام والقهوة على الدراجات النارية. وفي حال المخالفة قد تُفرض على الشركات غرامة تصل إلى 2000 يورو عن كل موظف متضرر. كما توجد التزامات إضافية للقطاع الخاص، إذ يُلزمها القانون بتمكين عامليها من العمل من المنزل أو توفير التكييف في المكاتب.

 

تشديد القواعد في إسبانيا عام 2023


في إسبانيا، حيث تزداد موجات الحر تكرارًا وتطول مدتها، جرى في الآونة الأخيرة تشديد اللوائح القانونية الخاصة بحماية العاملين، ونصت القواعد المشددة على مد مظلات للحماية من الشمس فوق الشوارع، وتوفير نقاط لمياه الشرب، وزراعة الأشجار، وتهدئة حركة المرور، وتوفير غرف مكيفة بغرض تخفيف حدة الحرارة بالنسبة للجميع. وبعيدًا عن المدن الكبرى، يتمسك الإسبان تقليديًا بقيلولتهم الشهيرة عادةً بين الساعة 14:00 و17:00.


وقد جرى تشديد قواعد الحماية من الحر أيضًا استجابةً لحادث ضربة شمس قاتلة أصابت أحد عمال النظافة في العاصمة مدريد عام 2022 عندما تجاوزت الحرارة 40 درجة مئوية. ومنذ عام 2023 فرضت السلطات قيودا على العمل في الهواء الطلق أو أوقفته تمامًا أثناء موجات الحر القائظ. وفي حال المخالفة قد تصل الغرامات إلى ما يقارب مليون يورو. وتُطبق هذه القاعدة إذا أصدر المعهد الوطني للأرصاد الجوية (Aemet) إنذارًا برتقاليًا أو أحمر إيذانا بقدوم موجة حر. غير أن هذه القواعد لا تفلح بشكل دائم في التطبيق العملي؛ إذ تقول النقابات العمالية بنبرة انتقاد إن الشركات الصغيرة، ولا سيما في قطاعات مثل الزراعة والبناء والسياحة، غالبًا ما تفلت من أعين أجهزة الرقابة الحكومية.

 

تشديد القواعد في فرنسا


نظرًا لازدياد تكرار موجات الحر، تعمد فرنسا إلى تعزيز إجراءاتها في العديد من المجالات. وقد تم مؤخرًا، اعتبارًا من الأول من يوليوالماضي، تشديد اللوائح المتعلقة بالتدابير التي يتعيّن على أصحاب العمل في القطاع العام اتخاذها أثناء موجات الحر. وتشمل هذه التدابير الحماية من الحرارة وأشعة الشمس في أماكن العمل، إضافةً إلى إلزام جهات العمل بتوفير ما لا يقل عن ثلاثة لترات من المياه لكل عامل في حال لم يتوفر في الموقع ماء صالح للشرب من الصنبور.


من جهة أخرى، فإن نظام العطلات في فرنسا يعمل منذ زمن طويل كوسيلة حماية طبيعية ضد أشد موجات الحر.: ففي أغسطس من كل عام تدخل البلاد برمتها في وضع العطلة، حيث يسافر كثير من الناس، وتُغلق مؤسسات وشركات، ويأخذ العاملون، كلما أمكن، إجازاتهم السنوية، كما أن الكثيرين يبدؤون بحزم حقائبهم بالفعل منذ يوليو.

 

الحماية من الحرّ ليست مُقنَّنة في كل مكان


في سلوفينيا لا توجد لوائح تفصيلية بخصوص حماية العاملين في الهواء الطلق خلال الأجواء الحارة، لكن اتحاد النقابات الحرة ZSSS قدّم مقترحات بهذا الشأن. في المقابل، توجد قوانين للعمل في الأماكن المغلقة، حيث لا يُسمح بأن تتجاوز الحرارة داخل هذه الأماكن 28 درجة مئوية.
أما في كرواتيا فلا توجد أية قوانين لحماية العاملين من الحر الشديد حيث إن كل شيء متروك لتقدير أصحاب العمل. وقد انتقدت النقابات هذا الوضع وطالبت بوضع قواعد على غرار النموذج الفرنسي.

 

السوائل وفترات الاستراحة


تطبق المجر لائحة مفصلة للغاية بشأن حماية العاملين في الحر القائظ. هناك مستويات متعددة حسب شدة المجهود البدني في العمل. فإذا كان هناك عمل شاق يتم إنجازه في الهواء الطلق في درجة حرارة تتجاوز 27 درجة، فإنه يتعيّن على صاحب العمل أن يوفر للعاملين كميات كافية من السوائل وفترات راحة. أما العاملون داخل المكاتب فعليهم تحمّل الحرارة حتى 31 درجة دون حماية، ولا يتعيّن على صاحب العمل التدخل بإجراءات تبريد إلا بعد تجاوز هذا الحد.


في رومانيا ينص قانون العمل على أنه يتعين على صاحب العمل تعديل برنامج العمل عند الحر الشديد، بحيث تكون هناك فترة استراحة في ساعات الظهيرة. كما يجب أن يوفّر ماءً للشرب وأماكن مظللة للراحة ويؤمّن التهوية، وإلا يجب وقف العمل بين الساعة 11:00 والـ17:00. ويُسمح للموظفين برفض العمل إذا كان الجو حارًا جدًا. والحد الأقصى هنا هو بلوغ درجة الحرارة 37 درجة في الظل، واستمرارها على هذا المستوى لأكثر من يومين متتاليين.

 

عقوبات صارمة في صربيا


في صربيا تُفرض عقوبات على أصحاب العمل الذين يخالفون قواعد الحماية من الحر، وقد تصل الغرامة على الشركات إلى 17 ألف يورو. ويمكن للعاملين تقديم بلاغ لدى هيئة التفتيش على العمل- دون الكشف عن هويتهم- ضد صاحب العمل الذي لم يتخذ إجراءات لحمايتهم وضمان سلامتهم أثناء العمل في الخارج في درجات الحرارة المرتفعة، وذلك في حال تجاوز درجة الحرارة مستوى 36 درجة مئوية. لكن يبقى التساؤل مطروحًا حول مدى تطبيق هذه العقوبات فعليًا في الحياة اليومية.

 

قيلولة من العصور الرومانية


في إيطاليا تعود تقاليد فترة القيلولة إلى العصور الرومانية القديمة حيث كان العاملون في ذلك الوقت يأخذون استراحة عند "hora sexta"، أي في الساعة السادسة بعد شروق الشمس – وغالبًا ما تكون في وقت الظهيرة. وحتى اليوم ما زال من المعتاد في كثير من المدن الصغيرة أن تُغلق المتاجر بين الساعة 13:00 و16:00. أما في المدن الكبرى فقد ترسخ نظام يوم العمل المتواصل. ومع ذلك تبقى حرارة منتصف النهار خطرًا صحيًا على كثيرين حيث أودت أول موجة حر في الصيف بالفعل بحياة أشخاص. وكان رجل يبلغ 47 عامًا انهار أثناء عمله في صب الخرسانة في الهواء الطلق.

 

الموقع الإلكتروني كمؤشّر


رغم موجات الحر المتكررة، لم تصدر الحكومة الإيطالية حتى الآن إجراءات موحّدة لحماية العاملين. وبدلاً من ذلك، أقرّت عدة أقاليم لوائح خاصة بها لمكافحة الحر. وتتم الاستعانة بموقع Worklimate 2.0 الذي طوّره المجلس الوطني للبحوث ومعهد حوادث العمل (Inail)، كمرجع أساسي. وبالاستناد إلى درجة الحرارة والرطوبة والجهد البدني، يحدد الموقع مستوى الخطر اليومي للعمل: فإذا وقع مكان العمل في المنطقة المعلَّمة من جانب الموقع الإلكتروني باللون الأحمر، فإنه يجب إيقاف العمل في أوقات محددة. ويتم تطبيق هذه اللائحة على قطاعات مثل مواقع البناء والمحاجر والمزارع.

 

تجنّب شمس الظهيرة


في تركيا تتكرر موجات الحر الشديد في فصل الصيف. ففي الأيام المقبلة مثلاً، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في مدينة ديار بكر جنوب شرق البلاد إلى أكثر من 40 درجة. وعادة ما تتوافر أجهزة تكييف في المكاتب والمستشفيات وكذلك المترو والحافلات. ويُطلب من العاملين في مواقع البناء أو الزراعة تجنّب شمس الظهيرة وشرب كميات كافية من الماء. وعند اشتداد الحر بشكل كبير، تُغلق المدارس أحيانًا. وحتى الآن لم تُطلق الحكومة إجراءات واسعة لتبريد المدن – مثل التوسّع في المساحات الخضراء لتخفيض درجات الحرارة.