الأحد 07 ديسمبر 2025 الموافق 16 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
حازم عادل
عربى ودولى

"أنا جعان".. آخر كلمات طفل غزّي تحولت لصرخة الإنسانية

الثلاثاء 19/أغسطس/2025 - 08:38 م
الطفل عبد الله أبو
الطفل عبد الله أبو زرقة

في غزة،   يموت الأطفال جوعا، ليس لأنهم لم يعرفوا الخبز، بل لأن العالم اختار أن يغلق أبوابه، عبد الله لم يكن اسما عابرا، كان وجها صغيرا يضيء المخيم، وصوتا يقول: "أنا جعان"، رحل، لكنه ترك وراءه سؤالا ثقيلا.. من سيطعم ما تبقى من قلوبنا الجائعة؟

 يختلط صوت القصف بأنين الجوع، ولد عبد الله أبو زرقة،  طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره، كان يركض في أزقة المخيم، يضحك ويجري مثل أقرانه، ولا يعرف من الدنيا إلا دفء البيت وحنان أمه ورغيفا ساخنًا على المائدة.

لكن الحرب بدّدت كل ذلك، جفت الأطباق، خمدت الضحكات، وبدأ جسده الصغير يذبل ببطء، تساقط شعره، ضعفت قدماه، وفقد القدرة على المشي، ومع كل وجع كان يهمس بكلمة قصيرة تختصر مأساته ومأساة آلاف الأطفال في غزة، "أنا جعان."

رحلة الأمل الأخير

حاول والده أن ينقذ طفله بكل الطرق، ناشد المؤسسات الإنسانية، بحث عن غذاء ودواء، وطرق كل الأبواب في غزة المحاصرة،  لكن المدينة لم يكن فيها طعام ولا حليب للأطفال،  ومع سوء التغذية تدهورت صحة عبد الله أكثر، حتى سُمح له أخيرًا بالسفر إلى تركيا بحثًا عن علاج.


خمسة أيام فقط بعد وصوله، أسلم الطفل روحه، بجسد هزيل لم يحتمل آثار الجوع والحصار، والده الذي عاش رحلة الألم الطويلة، لم يجد ما يقوله سوى: "الحمد لله على كل شيء."

المأساة لم تنتهي

 

المأساة لم تقف عند عبد الله،  فشقيقته الرضيعة حبيبة، البالغة ستة أشهر، أصيبت هي الأخرى بمضاعفات خطيرة بسبب سوء التغذية،  يقول والدها بمرارة: "لم نجد طعاما ولا حتى حليب أطفال في غزة."
اليوم، ترقد حبيبة على سرير العلاج في تركيا، بينما يحاول والدها أن يتمسك بالأمل لإنقاذها، ويحتضن طفله الثالث، ابن الثامنة، الذي يعيش صدمة فقدان شقيقه.

في النهاية.. رحل عبد الله أبو زرقة، لكن صوته لم يرحل، كلماته القصيرة "أنا جعان" ما زالت ترن في أذن العالم، شهادة حية على أن الجوع تحول إلى سلاح، والحصار إلى حكم بالإعدام على الأبرياء.

هذه ليست مأساة عائلة واحدة، بل مأساة شعب بأكمله، تُختزل في جسد طفل هزيل لم يجد رغيفا ولا دواء وإن كان عبد الله قد غاب، فإن قصته ستبقى لتسأل القادة وصناع القرار، كيف ينام العالم وشعب بأكمله يحاصر بالجوع؟ ومن يوقف هذا الموت البطيء قبل أن يبتلع المزيد من الأطفال؟ إن إنقاذ غزة لم يعد خيارا إنسانيا فحسب، بل صار اختبارا لضمير البشرية كلها.