لا نصر في العنف.. والآخرة أولى
طريق الهلاك
في زحمة الأحداث وتقلبات الأيام، قد يجد بعض شبابنا أنفسهم تائهين، غارقين في بحر من الإحباط واليأس. في هذه اللحظات، قد تبدو الدعوات الصارخة للتطرف والعنف، الآتية من هنا وهناك، كبارقة أمل أو مخرج وحيد. قد يهمس الشيطان في آذان البعض بأن طريق السلاح هو السبيل الأوحد لتحقيق الكرامة، أو أن الانضمام لجماعات العنف سيحقق النصر الموعود. ولكن، دعونا نتوقف لحظة لنتأمل بتمعن: هل هذا الطريق حقًا يؤدي إلى ما تتمنون؟ أم أنه طريق الهلاك الذي لا يُبقي ولا يَذر، طريق ينتهي بخسارة الدنيا والآخرة؟
وهم الحل السريع: فخ "الدعشنة" وخسارة الدنيا
بعض الشباب، وربما ممن انجرفوا في تيارات العنف التي ظهرت مؤخرًا كـ"الكماليين" أو غيرها من المجموعات التي نشأت في خضم الأزمات، قد يجدون أنفسهم اليوم أمام مفترق طرق خطير. مع استمرار الضغوط، وغياب الأفق السياسي في نظرهم، قد تبدو دعوات التيارات الجهادية المتطرفة، على شاكلة تنظيم داعش وغيره، جذابة للغاية. هذه التنظيمات تُقدم وعودًا براقة بـ"التمكين" و"النصر المبين" عبر العنف الأقصى، وتُبرر الوحشية والدمار تحت غطاء ديني زائف.
الخطر اليوم يتجدد، فهناك محاولات خبيثة لإعادة إنتاج هذه المجموعات، أو ما يمكن تسميته بـ"الكماليون الجدد". يتم هذا غالبًا عبر استغلال حالة اليأس والإحباط، أو من خلال دعوات انتقامية تسعى لدفع الشباب نحو تبني العنف مجددًا. إن إعادة إحياء هذه الأفكار يعني بالضرورة العودة إلى مربع العنف والتخريب، بل والانزلاق نحو فخ "الدعشنة" الذي هو أخطر ما يمكن أن يحدث. "الدعشنة" تعني التحول إلى نموذج تفكيري وسلوكي يُكفّر المجتمعات، ويستبيح الدماء، ويُشرعن الوحشية. إنها قفزة في المجهول من حيث لا عودة.
لكن الحقيقة أن هذا الطريق ليس سوى وهم قاتل وكذبة كبرى. الانخراط في العنف، بأي شكل من الأشكال، لا يؤدي إلى بناء أو إصلاح. بل هو يهدم، ويدمر، ويُشعل الحرائق التي يصعب إطفاؤها بسهولة. والتاريخ القريب، في سوريا والعراق وليبيا وغيرها، شاهد على أن هذه الجماعات لم تُحقق سوى الدمار والخراب وتهجير الملايين، ولم تُقدم أي نموذج حقيقي للحكم الرشيد أو تحقيق العدالة التي يزعمونها. بل أورثت الشعوب الويلات والمآسي.
خسارة الدنيا مؤكدة في هذا الطريق: ستجدون أنفسكم في مواجهة حتمية مع دولكم ومجتمعاتكم التي لن تقبل العنف أو التخريب. طريق العنف لن يجلب لكم سوى الملاحقة، السجن، أو الموت المحتوم. لن تبنوا دولة، ولن تُحققوا تمكينًا، بل ستُصبحون مجرد أدوات في صراع لا يمكن أن تخرجوا منه سالمين. ستُخسرون مستقبلكم، وتُحرمون عائلاتكم من وجودكم، وتُكبلون أيديكم عن أي عمل بناء أو نافع.
مآسي لا تُحصى: شهادة من قلب الواقع
وبحكم عملي كمحامٍ، أشاهد يوميًا عن كثب مآسي لا تُحصى تخلفها هذه المسارات المظلمة. أرى دموع الأمهات الحارقة على أبناء سُلبوا منها خلف القضبان أو تحت التراب. أرى زوجات وأطفالًا يواجهون مستقبلًا غامضًا، فُقد فيه العائل والسند، وتحولت حياتهم إلى جحيم من الفقر والحرمان الاجتماعي. نادينا مرارًا وتكرارًا عن محاولات التخلص من النفس وإيذاء الذات، سواء لدى الأسر التي دُمرت بفعل غياب أبنائها، أو لدى المحكوم عليهم في هذه القضايا، الذين يُدركون حجم الخطأ الذي ارتكبوه بعد فوات الأوان.
هذه ليست مجرد قضايا على ورق، بل هي قصص بشرية حقيقية، عائلات تُمزقت، أحلام تحطمت، وندوب نفسية لا تُشفى. إن الدمار الذي يُحدثه العنف لا يقتصر على الضحايا المباشرين، بل يمتد ليطال الأسر بأكملها، والمجتمع بأسره.
عقاب الآخرة: كيف تبيعون الجنة بنار الدنيا؟
الأهم والأخطر من خسارة الدنيا، هو ما ينتظركم في الآخرة. هل يُمكن لعاقل أن يظن أن سفك الدماء البريئة، وترويع الآمنين، وتخريب الأوطان، يمكن أن يكون طريقًا إلى الجنة ورضا الله؟ إن الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين يُحرم الاعتداء على النفس والمال والعرض. يقول تعالى في كتابه الكريم: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة: 32). وهذا وعيد شديد لكل من يتجاوز حدود الله.
أما من يقتل مؤمنًا متعمدًا، فقد جاء الوعيد الإلهي صريحًا ومُخيفًا: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" (النساء: 93). فكيف يُمكن لمن يتبع هذا الطريق المُشين أن يلقى الله بوجه طاهر وقلب سليم، وهو مثقل بذنوب القتل والفساد والإرهاب؟ إنها مفاضلة خاسرة، بيع للجنة بالنار.
طريق البناء هو النجاة
إن الطريق الصحيح للتغيير والإصلاح، الطريق الذي يُرضي الله ويُفيد العباد، هو طريق البناء لا الهدم.
هو السعي الجاد والمخلص لتحقيق العدل والكرامة بالوسائل المشروعة، التي تُحفظ فيها الأرواح والمقدرات، وتُصان فيها الأوطان. نعم، قد يكون هذا الطريق طويلاً وشاقًا، وقد يتطلب صبرًا ومثابرة وعملاً دؤوبًا ومسؤولًا، لكنه هو الطريق الوحيد الذي يُمكن أن يُحقق خيرًا حقيقيًا لكم ولأمتكم، ويُكلل سعيكم بالنجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة.
فكروا مليًا في أهلكم، في مجتمعكم، في دينكم السمّاح. هل يُرضيكم أن تُصبحوا وقودًا لنيران لا تُخلف إلا الرماد؟ هل تُرضيكم أن تُلطخ أيديكم بالدماء باسم دين بريء منكم ومن أفعالكم؟.
عوّدوا إلى رشدكم. ارفضوا دعوات التطرف والهلاك التي تسعى لإعادة إنتاج فصول الماضي الدامية. اختاروا طريق البناء لا الهدم، طريق السلام لا العنف، طريق الفلاح في الدنيا والآخرة لا الخسران المبين. إن باب التوبة مفتوح، والعودة إلى الحق فضيلة، فاستغلوا الفرصة قبل فوات الأوان.