سياسية أمريكية لـ"مصر تايمز": المواجهة بين لندن وتل أبيب ستعزل إسرائيل استراتيجيا
القفزة المفاجئة من التصريحات الدبلوماسية إلى التهديدات الفعلية بفرض عقوبات من قِبل وزير الخارجية البريطاني بشأن غزة ليست مجرد تصعيد عابر، بل هي إشارة تحذيرية تُبرز التصدعات في الموقف الغربي تجاه سياسة إسرائيل تجاه غزة.
لطالما لعبت بريطانيا دورًا متوازنًا، إذ سعت إلى دعم احتياجات إسرائيل الأمنية، بينما تُبدي دعمًا لفظيًا لحقوق الفلسطينيين ومخاوفهم الإنسانية، لكن مع احتراق غزة وتزايد أعداد الضحايا المدنيين يومًا بعد يوم، انكسر هذا التوازن، ويُشير التهديد بفرض عقوبات الآن إلى نفاد صبر لندن، وربما عواصم أوروبية أخرى أيضًا.
لماذا هذا التصعيد المفاجئ من المملكة المتحدة؟
وفي هذا الصدد؛ علقت السياسية الأمريكية إيرينا تسوكرمان، أن مزيج من عدة عوامل بلغ الغضب الشعبي في بريطانيا ذروته، حيث أجبرت الاحتجاجات والتغطية الإعلامية السياسيين على اتخاذ موقف أكثر صرامة أو المخاطرة بردود فعل سياسية عنيفة في الداخل.
وحث حزب العمال ونواب البرلمان ذوي النفوذ الحكومة على إظهار أنها لا تكتفي بالقول بل مستعدة للفعل، علاوة على ذلك، فإن دور بريطانيا كلاعب رئيسي في الرباعية وعلاقاتها التاريخية بالمنطقة يضيفان ثقلاً إلى تحركاتها، فهي تشير إلى أوروبا والولايات المتحدة بأن العمل كالمعتاد لن يكون كافياً وسط دمار غزة.
ويتزامن هذا التصعيد أيضاً مع محاولات بريطانيا لتأكيد سياسة خارجية أكثر استقلالية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، لترسيخ مكانتها كحكم أخلاقي عالمي حتى لو أدى ذلك إلى تعقيد التحالفات التقليدية.
قائلة: “السؤال هو: ما مدى واقعية هذه التهديدات؟ غالبًا ما يتصاعد الخطاب السياسي في الأزمات، لكن العقوبات مسألة بالغة الأهمية”.
وأوضحت إيرينا تسوكرمان السياسية الأمريكية ومحامي الأمن القومي الأمريكي، خلال تصريحات خاصة لـ “مصر تايمز”، أنه بالنسبة لإسرائيل، حتى الحديث عن العقوبات يُدخل حالة من عدم اليقين في مشهد استراتيجي يبدو أصلًا وكأنه حقل ألغام.
وأضافت قد تكون التكاليف الاقتصادية والسياسية باهظة، لا سيما إذا استهدفت العقوبات قطاعات رئيسية، يعتمد عليها اقتصاد إسرائيل، ولكنه ليس منيعًا، بشكل كبير على التجارة الدولية وصادرات التكنولوجيا والتعاون الدفاعي، أي قيود على مبيعات الأسلحة أو نقل التكنولوجيا الحيوية من شأنها أن تُعيق تحديث دفاعها في لحظة حرجة.
وأضافت: تخيّل هذا؛ تعليق أو حظر تام لمبيعات أسلحة معينة من بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي، وخاصةً التقنيات الحساسة مثل الطائرات المسيّرة أو الذخائر دقيقة التوجيه.
ويتبع ذلك عقوبات مالية، كمنع البنوك أو الشركات الإسرائيلية من الوصول إلى أسواق رأس المال الأوروبية أو تجميد الأصول المرتبطة بالمتعاقدين العسكريين، حتى القيود المفروضة على التقنيات ذات الاستخدام المزدوج - أي المنتجات المدنية ذات التطبيقات العسكرية ، قد تؤثر سلبًا على اقتصاد إسرائيل المعتمد بشدة على التكنولوجيا.
إلى جانب تأثيرها الاقتصادي المباشر، سيكون لهذه العقوبات وزن رمزي هائل، إذ ستعزل إسرائيل سياسيًا، وتُشير إلى حلفائها الآخرين بأن التسامح مع سياساتها الحالية تجاه غزة آخذ في التضاؤل.
لكن خطوة بريطانيا تكشف أيضًا عن تصدعات في الوحدة الأوروبية، فبينما قد تتصدر لندن الموقف بخطاب صارم، قد تتردد عواصم مثل برلين وباريس ووارسو في تبني العقوبات بشكل كامل. يخشى بعض القادة الأوروبيين من عزل إسرائيل في ظل تنامي المخاوف الأمنية، ويرون في العقوبات أداةً غير فعّالة قد تأتي بنتائج عكسية، وتعزز موقف المتشددين في القدس، قد يؤدي هذا التوتر الداخلي في أوروبا إلى تطبيق غير متكافئ أو أنظمة عقوبات بطيئة تُحبط بدلًا من أن تُجبر.
إن المظلة الدبلوماسية الغربية التي تمتعت بها إسرائيل منذ فترة طويلة آخذة في التقلص، إن الحديث عن العقوبات هو الخطوة الأولى في حملة أوسع نطاقًا لتحميل إسرائيل المسؤولية عن غزة، وسوف يؤثر على كيفية وضع القدس لاستراتيجيتها في الأسابيع والأشهر المقبلة.
والآن، أضف دونالد ترامب الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة ونائبه، جيه دي فانس، ممارسة الضغط على إسرائيل للانسحاب من غزة، لا يتعلق الأمر بالسياسة فحسب؛ بل يتعلق بإعادة تأكيد نفوذ ترامب على السياسة الخارجية الأمريكية وسط منافسة شرسة مع الفصائل الأمريكية الأخرى وداخل حزبه.