لماذا يحمل "الصعايدة" العصا في أيديهم؟.. البداية فرعونية واستخدمها "نبي الله موسى".. وفي جنوب مصر سلاح للحماية وللوجاهة
كثيرا ما نشاهد أهل الصعيد
يحملون العصا في أيديهم، ويمشون بها في الطرقات وكأنها شيء يقتنيه الإنسان مثل
الساعة والتيلفون، ويظهر ذلك في العديد من الأفلام والمسلسلات التي تحاكي حياة القرويين،
لكن هل تعلم لماذا يحمل "الصعايدة" العصا؟
البداية فرعونية
ترجع قصة العصا إلى آلاف
السنين حين كان المصريون القدماء يحملونها في أيديهم، وكانت تعبيرا عن المُلك والسعادة،
ويقتنيها الحُكام والطبقة السامية كنوع من الوجاهة، ويستخدمونها في الإشارة إلى
الاشخاص، أو الأشياء، وتفنن الفراعنة في صنع العصا، وصنعوا منها أشكال فريدة،
ووضعوا لها رؤس ثعابين وعلى هيئة تماسيح أو أسود، وغيرها من الحيونات المفترسة، التي
تعطي انطباعا عن القوة.
هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى
الأصل هنا في قصة سيدنا موسي- عليه السلام- عندما سأله الله – عز وجل- "وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى"، فرد موسي قائلًا "هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى"، ويرجع أصل سيدنا موسي، إلى سيدنا إسماعيل جد العرب جميعًا، وذُكر في بطن كتب التاريخ أن أصل الصعيد يعود إلى شبه الجزيزة العربية، وهي قبائل أتت مصر مع الفتح الإسلامي واستوطنت بالوجه القبلي، وامتزجت مع العائلات المصرية الفرعونية هناك، وصاروا نسيجا واحدا، وتوارثت الأجيال العصا، لتصير جزاء أصيلا من التراث الصعيدي المعبر عن هويته.
لعبة التحطيب
لم تقتصر العصا في الصعيد على
التوكؤ وهش الغنم، بل كان لها مآرب أخرى، حيث تم
استخدامها في اللعب والترفيه منذ قديم الزمان.. في مشهد فريد بساحة كبيرة قبل غروب
الشمس، يجتمع عدد كبير من الشباب والشيوخ، ويلتفوا حول دائرة واسعة بها شخصان يحملان العصا ويقومان بالمبارزة
بخفة واحترافية تخطف الانظار، وتلك هي "لعبة التحطيب".. لا تفرق هذه
اللعبة بين الشيوخ والشباب فالفيصل هنا هي "الحرفنة"، وفي كثير من
الأحيان تجد كبار السن هم أكثر احترافية ويمكنهم الفوز على الشباب بسهولة، نظرا
لخبرتهم العالية في فن التحطيب، ويمتلك اللاعبون روحا رياضية تمكنهم من تقبل الهزيمة
بصدر رحب، وتبادل التحية بعد إنتهاء اللعبة.
الوجاهة
يعتبر حمل العصا في الصعيد
نوعا من الوجاهة، والاعتزاز بالنفس، فعندما تجد الرجل يمشي واثقا من نفسه ويرتدي
الجلباب البلدي ويحمل في يمينه عصاه، يمكن بسهولة التعرف عليه، بأنه صعدي.. ويتفنن
الصعايدة أيضا في تصميم العصا ودهانها بالالوان الذهبية، التي تعطي لها مظهرا
لامعا، يجعلها كتحفه أثرية.
الدفاع عن النفس
لا يزال العصا في الصعيد رمزا
مهما، يجسد استعداد الرجل للدفاع عن نفسه ضد أي معتدي سواء كان بشراء أو حتي حيوانا
مفترسا، لأن طبيعة الصعيد تجل منه مكانا، مختلاف تتجلى فيه الطبيعة في أبهي صورها،
فيمكنك أن تري الذئاب في الحقول، والتماسيح في الترع والمصارف التي توجد بالأراضي
الزراعية، ذلك كله يجل الرجال هناك يستخدمون العصا في الدفاع عن النفس.