الثلاثاء 19 مارس 2024 الموافق 09 رمضان 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

نبيلة السيد.. أضحكت السادات وأبكت الزعيم والسندريلا

الثلاثاء 31/أغسطس/2021 - 12:58 ص

لم يكن أحد يتوقع أن الطفله ذات التسع سنوات والتي وقفت أمام نجيب الريحاني في مشهد واحد ضمن تلميذات الفصل في فيلم "غزل البنات" 1949.. لم يتوقع أحد أن تكون إحدى أيقونات الضحك والسعادة في تاريخ السينما والمسرح والتليفزيون.

بالبساطة والتلقائية والبشاشة التي علي وجهها أحبها الجمهور بل وارتاح لها ومعها فكانت خليفة عرش كوميدانات خلي مكانهن بالوفاة أو الإعتزال مثل ماري منيب وزينات صدقي.. فكانت نبيلة السيد التي تربعت علي عرش الكوميديا النسائية في السينما المصرية طيلة 20 عاماً .



ولدت نبيلة في 7 أغسطس 1938 في حارة أبو الشوارب المتفرعة من شارع محمد علي، لأب عمل حينها كمتعهد أفراح، وله متجر لبيع الآلات الموسيقية كذلك، وهو ما دفعها، عندما كبر سنها، إلى التوجه إلى الأفراح للغناء حتى تساعد عائلتها.

رغم تعلقها بالغناء من خلال مشاركاتها في الأفراح، إلا أن والد إحدى زميلاتها فتح أمامها باب التمثيل وهي لا تزال طفلة، من واقع تكليفه بالبحث عن صغيرات لفيلم "غزل البنات"، لتظهر مع الفنان نجيب الريحاني في مشهد داخل أحد الفصول المدرسية.. من هذه اللحظة، تعلقت بالفنان نجيب الريحاني إلى درجة هروبها من مدرستها الثانوية لحضور عروض فرقته المسرحية، وواظبت على حفظ النصوص إلى أن أتيحت لها فرصة المشاركة في مسرحية "30 يوم في السجن" بعد غياب إحدى الممثلات، وأجادت الدور.



حصلت فيما بعد على دبلوم المعهد العالي للتمثيل، كما التحقت بفرقة "ساعة لقلبك" بالإذاعة، ثم شاركت في مسلسلات إذاعية عدة، كان أغلبها من تأليف الراحل محمود السعدني، الذي حرص على اصطحابها في أعماله، ومن خلال تلك العلاقة تعرفت على شقيقه الأصغر الفنان صلاح السعدني الذي ظل صديقا وفيا مخلصاً لها حتي وفاتها .

في تلك الفترة أصبح لها حضور على خشبة المسرح بشكل أكبر، ومن أبرز الأدوار التي جسدتها آنذاك "لهلوبة الأروبة" في عروض مسرحية "الملاك الأزرق"، ثم مسرحية "شفيقة القبطية" مع الفنانة تحية كاريوكا، قبل أن يستعين بها المخرج حسن الإمام في فيلم "بياعة الجرايد" في بداية الستينيات فكان حسن الإمام هو أكثر من آمن بموهبتها وفيها وأكثر مخرج تعاون معها وقدمها في أهم أفلامها السينمائية في أدوار متعددة وشخصيات مختلفة مثل أفلام (وبالوالدين إحساناً وخللي بالك من زوزو وعجايب يازمن وبنت بديعة والسكرية وبمبة كشر وبديعة مصابني وسلطانة الطرب وكيدهن عظيم وحب فوق البركان والجنة تحت قدميها) . 

شاركت بعدها في العديد من الأعمال السينمائية، على رأسها "عفريت مراتي" مع شادية و"أبي فوق الشجرة" مع عبد الحليم حافظ و "غريب في بيتي" مع سعاد حسني و "ليلة بكي فيها القمر" مع صباح و"أنا وهو وهي" مع فؤاد المهندس وشويكار.
 
وتميز أدائها بالتلقائية وخفة الدم وقوة الحضور مما جعل المخرجين يسندون اليها الدور الذي خلي بعد وفاة ماري منيب وزينات صدقي وهو دور صديقة البطلة كأمها أو أختها أو قريبتها وقد أجادت وأبدعت وكتبت إسمها من ذهب دون أن تلجأ للتقليد الأعمى لمن سبقها.

قدمت في المسرح أعمالا كثيرة في مختلف الفرق المسرحية وكانت تثبت نجاحها وتفوقها علي خشبة المسرح سواء في فرقة الريحاني أو أمين الهنيدي أو مسرح حر أو فرقة تحية كاريوكا أو غيرها، من الفرق من أهم هذه المسرحيات في حياتها مسرحيات "البيجامة الحمراء" و"أصل وصورة" و"عفريت الست شوقية" إلي جانب مسرحيات عديدة لم تصور تليفزيونيا فكانت أهم .

في السبعينيات، انتقلت إلى فرقة أمين الهنيدي المسرحية، ووقعت عقد احتكار لمدة عام كامل لم تشارك في أي عمل خلالها، واكتفت بتقاضي أجرها الشهري إلى أن مُنعت عنه، مما تسبب في الدخول إلى ساحات القضاء للفصل في الأمر إلا إنها تنازلت عن هذه القضايا تقديراً منها لأمين الهنيدي .

شاركت نبيلة السيد في أفلام خلدت أسم الزعيم عادل إمام واسمها هي أيضا من أهم هذه الافلام فيلم "البحث عن فضيحة" والذي قامت فيه بدور صغير، أصبح من علامات السينما المصرية واشتهرت بعبارة (طوخو يابوي بس ما تعواروش)، ودورها مع الزعيم عادل إمام في فيلم "ممنوع في ليلة الدخلة" وكان دور محوري إلي جانب أكثر من 20 فيلم مع عادل إمام .



شاركت في مسرحية "العيال كبرت" في عام 1979 مجسدةً دور الأم، لكنها اعتذرت عن عدم إكمال العرض قبل تصويره، لتحل محلها الفنانة كريمة مختار التي اشتهرت بهذا الدور فيما بعد، ومثّل علامة فارقة لها في مسيرتها.

خلال تلك الفترة قدمت ثنائيًا شهيرًا مع الفنان محمد رضا، وشاركت معه فيما يقرب من 30 عملًا بين السينما والتليفزيون والمسرح، على رأسها أفلام "عماشة فى الأدغال" و "ممنوع في ليلة الدخلة" و"رضا بوند" و"شياطين إلى الأبد"، والطريف أنها جسدت شخصية زوجته في أغلب أعمالهما، حتى استوقفها كثيرٌ من المارة لسؤالها عن أحوال محمد رضا بإعتباره زوجها .

على المستوى الشخصي تزوجت "نبيلة" من رجل أعمال أنجبت منه ابنيها "حسام" و"أميرة"، قبل أن تنفصل عنه لبعض الخلافات، ثم تزوجت الملحن حسن نشأت، الذي يصغرها آنذاك بـ15 عامًا والذي كان متيما بها وكان ينتظرها في كواليس مسرحياتها ونشأت بينهما قصة حب ووفاء حتي النهاية. 

قدمت في التليفزيون مسلسلات عديدة اجتماعية لاقت نجاح كبير ومازالت تعرض حتي الآن مثل (غوايش وأخو البنات وعصر الحب وصيام صيام والكابتن جودة) . 

كرمها الرئيس الراحل أنور السادات وعندما علمت بذلك لم تصدق نفسها حتي انهمرت بالدموع أمام السادات الذي قال لها (أمسكي نفسك شوية دي أنتي اللي بتضحكينا) . 

عانت من المرض في منتصف الثمانينات ولكن كانت تكابر وتكره المرض والجلوس في البيت فكانت تعمل في أكثر من عمل في وقت واحد وهي مريضة بمرض خطير مثل فيلم "القطار" الذي عُرض بعد وفاتها، ومسلسل "كابتن جودة"، بجانب آخر عروضها المسرحية "ابتسامة وراء القضبان"، التي شهدت وضع اسمها على الأفيش كأول اسم لأول مرة في مسيرتها الفنية ولكن جاء متأخراً .

مع اشتداد المرض عليها لم يتخل عنها زوجها حسن نشأت مطلقًا فكان يبكي عليها دون أن يراها وهي تسمعه وتشعر به في حين رفضت زيارة أي شخص لها بإستثناء الفنان صلاح السعدني الذي اعتبرته شقيقًا أصغر لها، إلى أن توفيت في 30 يونيو 1986 .

وكان لوفاتها صدمة كبيرة في الوسط الفني والجمهور خاصة انها كانت تخبأ خبر مرضها عن الجميع وكانت تنخرط في العمل حتي تنسي المرض وآلامه .

ويذكر أن السندريللا سعاد حسني أجلت سفرها لتوديعها إلي مثواها الأخير حتي عادل إمام وقف في نهاية عرض مسرحية "الواد سيد الشغال" دقيقة حداد عليها لمدة أسبوع وشيعت جنازتها من مسجد السيدة نفيسة وكانت جنازة مهيبة حضرها جموع من كبار الفنانين والشعب الذي طالما ضحك علي خفة دم نبيلة السيد.