الأحد 19 مايو 2024 الموافق 11 ذو القعدة 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

في ذكرى ميلاد "ملك العود".. فريد الأطرش من كبار عائلات سوريا.. لقب بـ "المغني الحزين".. استدان المال لينتج أول ‏أفلامه.. مسيرة فنية دامت 3 عقود.. وتوفي أثناء تصوير آخر أعماله

الإثنين 19/أكتوبر/2020 - 05:50 م
فريد الأطرش
فريد الأطرش

تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنان القدير الراحل فريد الأطرش الـ 46، ‏الموسيقار والمطرب السوري – المصري، الذي ترك بصمةً واضحةً في ‏الغناء العربي الحديث، وفي التمثيل أيضًا، وامتدت مسيرته الفنية لثلاثة ‏عقود سجل فيها أكثر من 500 أغنية وأكثر من 13 فيلمًا، وحصل على ‏قلادة النيل العظمى، ونرصد الآن لقطات من حياته احتفالًا به.‏

عائلة الأطرش

وُلد فريد الأطرش في قرية القريّا في جبل العرب جنوب سوريا، لعائلةٍ ‏من كبار عائلات الموحدين الدروز عُرفت بمقارعتها الاحتلال الفرنسي، ‏والده الأمير فهد الأطرش من سوريا، أما والدته فالأميرة عالية وهي ‏لبنانية‎.‎

هربت الأم بأطفالها نحو لبنان أولًا، ثم اتجهت إلى مصر حيث طلبت ‏اللجوء لها ولأطفالها الثلاثة، فؤاد وفريد وآمال، ومُنحت الجنسية ‏المصرية لاحقًا، وقد عانت الكثير في حياتها هناك. ‏

أسست عائلة الأطرش للثورة ضد الاحتلال الفرنسي في جبل العرب في ‏سوريا بعد الحرب العالمية الأولى، وهي نفسها العائلة التي أنجبت اثنين ‏من ألمع المغنيين العرب للقرن الماضي، فريد وأخته آمال الأطرش ‏المعروفة بـ "أسمهان".‏

وترعرع الأخوان تحت أعين والديهما اللذين تنقلا كثيرًا بين المدن ‏الكبرى في الشرق الأوسط في كفاحهما ضد الاحتلال الفرنسي، وفقدت ‏الأميرة عالية اثنين من أطفالها الخمسة بسبب المرض، وأصبحت قلقةً ‏جدًا حيال سلامة وصحة أولادها المتبقين، وتعاظم خوفها عندما كاد ابنها ‏فريد يغرق ويموت بينما كان يلعب مع طفلٍ آخر على متن قاربٍ صغير ‏في بيروت، مما دفع بوالدته إلى حبسه في المنزل في الأوقات التي لم ‏يكن يذهب فيها إلى المدرسة‎.‎

وقام قائد تلك المنطقة وبسبب خوفه من انتقام الاحتلال الفرنسي من ‏عائلته بإرسال الأسرة إلى مصر طلبًا للجوء، واتخذت الأميرة عالية بعد ‏أن تركت زوجها وثروته اسمًا مستعارًا لنفسها ولأولادها، كان هذا الاسم ‏‏"كوسا".‏
‏ ‏
جلب هذا الاسم الغريب الذي اختارته الأميرة لها ولابنها فريد السخرية ‏خلال فترة دراسته الأولى في المدرسة الجديدة في مصر، وكانت هذه ‏المدرسة فرنسية، والتي ولسخرية القدر سامحت "الطفل الفقير" وعفته ‏من دفع القسط.‏



المغني الحزين

نما اهتمام فريد الأطرش بالموسيقى في تلك الفترة من حياته التي عانى ‏فيها من الصعوبات المادية بينما كان يستمع لوالدته تغني وتعزف العود ‏في المنزل، وسُمح له بسبب إصراره الشديد أن يتمرن مع كورال ‏المدرسة المسيحي، ولم يكن المعلم مسرورًا بعجزه عن التعبير عن ‏مشاعره بالرغم من صوته الجميل، فنصحه بأن يقوم بالبكاء ليشعر ‏المستمعون بالألم الذي يرغب بالتعبير عنه من خلال أغنياته، وكما ‏يعرف محبيه، نجحت هذه النصيحة فعلًا، وبقيت سمةً صبغت صوته ‏طيلة فترة غنائه، ومنحته لقب "المغنّي الحزين‎"‎‏.‏

كان فريد يحب الموسيقى عندما كان طفلًا، حيث أعجب بشدة بمغنٍ في ‏إحدى المقاهي، لكنّه لم يستطع تحمّل شراء كوبٍ من الشاي هناك ليستمع ‏له. كان يقف خارج المتجر بشكلٍ مستمر ليستمتع بالموسيقى هناك، حتى ‏أثار استماعه للعرض دون أن يدفع ثمنه غضب أحد الموظفين القائمين ‏على المقهى، وفاجأه بصب دلوٍ من الماء البارد عليه، سار فريد في ‏شوارع القاهرة آملًا أن تجف ثيابه، لكنّه عاد قبل ذلك إلى المنزل، ونام ‏بثيابه المبتلّة ليتجنّب ردة فعل أمّه الغاضبة. أصابته في اليوم التالي حمى ‏شديدة اضطر معها للفّ نفسه بالصحف ليبقى دافئً.‏



تقلبات في حياته

سمحت  والدة فريد الأطرش له بالغناء في المناسبات المدرسية، مما مكّنه ‏من تطوير موهبته حتى شارك في حفلٍ جامعي لتكريم الثورة السورية، ‏ولفت أداؤه في هذا الحفل نظر المجتمع الفني، لكنّه أفصح عن هويته ‏الحقيقية كأحد أفراد عائلة الأطرش، مما تسبب بفصله من المدرسة ‏الفرنسية‎.‎

وتخرّج بعدها من مدرسةٍ أخرى، وسُمح له أن يسجل بمعهد موسيقي. ‏أصبح بعدها تلميذًا لرياض السنباطي الملحّن الشهير، أعجب السنباطي ‏بعمله الدؤوب ومكّنه من الغناء في إذاعاتٍ خاصة مصرية في ‏الثلاثينيات، وتمّ تعيين فريد الأطرش كعازفٍ للعود في أوركسترا بعد أن ‏تمّ إغلاق جميع محطات الراديو وأُنشأت محطة واحدة وطنية، ثم أصبح ‏بعدها مغنٍ هناك، وعمل لفترةٍ مع شقيقته اسمهان ولحن لها بعضًا من ‏أغانيها، وكان فيلم "انتصار الشباب" الذي ظهرا فيه معًا من أوائل ‏أفلامه‎.‎

وغيّر النجاح السريع الذي لاقاه الشاب الوسيم نمط حياته، فأصبح يستمتع ‏بالحياة الليلية في المدينة، العلاقات الغرامية، والمراهنة على سباق ‏الأحصنة، وجد فريد نفسه بعد فترةٍ مديونًا، كما تركته والدته التي لم ‏توافق على تصرفاته، ساءت تلك الفترة من حياته أكثر بعد وفاة أخته ‏المطربة الشهيرة أسمهان، ووجد الراحة قليلًا في علاقةٍ مع الراقصة ‏سامية جمال التي بذل من أجلها كل ما يملكه.‏



انتعاشه الفني

نجح في استدانة المال لينتج فيلمًا تشاركه في بطولته عام 1947، وهو ‏فيلم "حبيب العمر" الذي أخرجه هنري بركات، ولاقى هذا الفيلم نجاحًا ‏كبيرًا وغير متوقع كما وضع فريد في صف الأشخاص الأثرياء، ثم تبعه ‏فيلم "عفريتة هانم" الذي لعبا بطولته سويًا، ثم انفصل الثنائي غير ‏المتزوج بعد خمسة أفلام بسبب شجارٍ عنيف‎.‎

واستمر فريد بالعمل مع عدة نجوم آخرين في أفلامٍ ناجحة عديدة والتي ‏حصل في معظمها على دور المغني العاشق والرومانسي الحزين، وكان ‏اسمه فيها باستمرار، وحيد، وعلى مدار مسيرةٍ فنيةٍ استمرت ثلاثين ‏عامًا، سجل أكثر من 350 أغنية وشارك في 30 فيلمًا.‏



أبرز أغانيه

من أبرز أغاني فريد الأطرش التي لا تُنسى، أغنية "الربيع"، و"أول ‏همسة"، والموسيقى المميزة "لحن الخلود"، و"توتة" و"رقصة جمال"، ‏وغنّى أغانٍ أخرى أخف مثل "نورا نورا"، "هلت ليالي" و"جميل ‏جمال"، و"حبينا"، وبقيت هذه الأغاني على درجة عالية من الشهرة حتى ‏هذه الأيام.‏



أهم أفلامه

اشترك فريد الأطرش في 31 فيلما سينمائيا كان بطلها جميعا وقد أنتجت ‏هذه الأفلام في الفترة الممتدة من السنة 1941 حتى السنة 1975، ومن ‏أهم أفلامه "حبيب العمر"، و"عهد الهوى"، و"رسالة من امراة مجهولة"، ‏و "انتصار الشباب"، و"لحن الخلود"، و"نغم في حياتي".‏



حياته الشخصية

لم يستطع فريد الأطرش أن يعمل جيدًا دون وجود صديقةٍ حميمة رافضًا ‏الزواج بحجة أنّ الزواج يقتل الفن، مما دفعه إلى كسر قلوب الكثير من ‏بطلات أفلامه، قام في مراحل حياته الأخيرة والتي عاشها ببذخٍ ورخاء ‏وبعد أن أسس منزلًا في كل من القاهرة وبيروت باتخاذ قرارٍ بالزواج، ‏تقدّم للمغنية المصرية الشهيرة شادية، وكذلك لفنانةٍ لبنانية، لكنّه غيّر ‏رأيه في آخر لحظة في كل مرة، متعذرًا بمرضه ومن خوفه من أن ‏يتركهن أرامل، أما من حيث ديانة فريد الأطرش ومعتقداته وطائفته ‏الأصلية ، فقد ولد لعائلة مسلمة درزية.‏



فنانون وفنانات لحن لهم

لحن فريد الأطرش لعدد من كبار الفنانين والفنانات، هم أسمهان، ‏‏وإسماعيل ياسين، وسميرة توفيق، وتحية كاريوكا، وثريا حلمي، وسامية ‏‏جمال، وسيد سليمان، وشادية، وفايزة أحمد، صباح، وعصمت عبد ‏‏العليم، فتحية أحمد، ليلى الجزائرية، مها صبري، نادية جمال، دلال ‏‏الشمالي، وديع الصافي، وعصام رجي، ونادية فهمي، ونور الهدى، ‏‏ووردة الجزائرية، وفهد بلان، ومحرم فؤاد، ونازك، طروب.‏



الكتب المؤلفة عنه

‏كتب الباحثون عشرات الكتب حول فريد الأطرش، تناولوا فيها حياته ‏من جميع النواحي الاجتماعية، والفنية، والحياتية، والعاطفية، وغيرها، ‏ومن هذه الكتب‎:‎

فريد الأطرش قصة حياته ومختارات من أغانيه "سعيد الهيري"، فريد ‏الأطرش بين الفن والحياة "سعيد الجزائري"، وفريد الأطرش "عبد ‏الكريم عبد العزيز"، وأول همسه (آلام وأنغام فريد الأطرش) "سعود بن ‏عبد العزيز القويعي"، وأسمهان (ملهاة الحقيقة ومأساة اللغز) "سعود بن ‏عبد العزيز القويعي"، وموسيقار الأزمان (الأعمال الكاملة) "سعود بن ‏عبد العزيزالقويعي"، وفريد الأطرش العالمي نابغة عصره "د. مهندس ‏محمود الاحمدية"، لحن الخلود فريد الأطرش، ومذكرات فريد الأطرش، ‏والنصوص الكاملة لأغاني فريد الأطرش "أبو العلا أحمد عبد الفتاح"، ‏وفريد الأطرش بين الفن والحياة، وفريد الأطرش نحو الخلود، وديوان ‏فريد الأطرش، وديوان فريد الأطرش.‏



وفاته

تُوفي فريد الأطرش عام 1974 في "بيروت"؛ إثر العودة من رحلةٍ علاجية ‏إلى لندن، عن عمرٍ يناهز الستين عامًا، تاركًا فيلمًا لم ينتهِ من تصويره. ‏