الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

الحب والموت في لندن (16)

الإثنين 19/أبريل/2021 - 01:04 م

في قضية مقتل علي كامل فهمي.. دخل الفن على الخط.

يقول الدكتور لويس عوض في سيرته الذاتية "أوراق العمر": "وقد كانت أهم ثمرة في أدب المسرح لتعاظم هذه الحملة على الزوجة الأجنبية هي مسرحية "أولاد الذوات" التي كتبها ومثلها يوسف وهبي (عام 1930) وهي تصور وجيهـًا مصريـًا اغتر بالنشرة الحضارية البراقة التي تتميز بها المرأة الأوروبية فتزوج من فتاة أجنبية بددت أمواله وخربت بيته واكتشف أنها تخونه. وقد كنا نتندر ونحن صغار بذلك الكريشندو الذي بلغه يوسف وهبي وهو يصيح في زوجته الأجنبية قبل أن يطلقها "يا امرأة الكل يا مزبلة". ويبدو أن "أولاد الذوات" كانت الرد الميلودرامي على قضية مارغريت فهمي وعنصرية مارشال هول، من وجهة نظر مصرية. بعبارة أخرى: إذا كنتم تصفون كل الأزواج المصريين بأنهم جلادون يسحقون زوجاتهم، فنحن أيضـًا نصف كل الزوجات الأجنبيات بأنهن ساقطات يخن أزواجهن، ونبقى خالصين، والبادي أظلم. وهذه التعميمات في الحالتين سذاجات لا تليق بالمتحضرين".

لا بدَّ من القول إن فيلم "أنشودة الفؤاد" من إخراج ماريو فولبي عام 1932، هو أول فيلم مصري طويل ناطق. وبالرغم من أن "أنشودة الفؤاد" أنجِزَ قبل فيلم "أولاد الذوات" إخراج محمد كريم، فإن الفيلم الثاني سبقه إلى العرض في 14 مارس عام 1932 في سينما رويال بالقاهرة، في حين عرض "أنشودة الفؤاد" في 13 أبريل في سينما ريالتو بالإسكندرية ثم في سينما ديانا بالقاهرة في اليوم التالي.

عن نص "أولاد الذوات" كتب يوسف وهبي قصة وحوار الفيلم الذي أخرجه وكتب له السيناريو محمد كريم بالعنوان نفسه. أبطال الفيلم هم: يوسف وهبي، أمينة رزق، سراج منير، كوليت دارفيل، أنور وجدي، حسن فايق. وملخص قصة الفيلم من واقع ما نشر عنه: يخون حمدي زوجته المصرية مع فتاة فرنسية، ويسافر معها إلى باريس، وهناك يكتشف أنها تخونه، فيقتلها ويقتل عشيقها، ويحكم عليه بالسجن. يعود حمدي إلى مصر يوم زفاف ابنه ليجد أن زوجته قد تزوجت من ابن عمها بعد أن تصورت أنه توفي في فرنسا. ومن دون أن يعرف نفسه، يتقدم حمدي نحو ابنه ويقدم له التهاني، فيتصور الابن أنه شحاذ ويعطيه بعض المال. يغادر حمدي المنزل وينتحر!

يذكر المخرج محمد كريم في مذكراته أن جريدة "لابورص" الفرنسية هاجمت فيلم "أولاد الذوات" ونشرت جريدة "المقطم" ترجمةً عربية للمقال في عدد 30 مارس عام 1932 جاء فيها: "إذا تركنا جانبـًا الوجهة الفنية التي عمل عليها فيلم "أولاد الذوات" وهي تعد عتيقة مضحكة، فنحن نجد أن هذا الفيلم هو على مثال أفلام روسيا الشيوعية التي تترك الفن للفن وتقصد الدعاية، فقد أرادوا به أن يروجوا الدعوة لدى المصريين لكراهية المرأة الأوروبية وخاصة الفرنسية، فهي تخرب البيوت وتقود الرجال ضحيتها إلى الدمار وإلى الجريمة وإلى الموت. ولكي يستكملوا المظاهرة وضعوا بطريقةٍ كلها عبث أطفال جميع الرذائل وضروب الخسة في شخص تلك المرأة وعهدوا بها للمدموازيل كوليت درافيل التي قامت بالدور عن طيب خاطر، وهو موضع العجب".

ويستطرد كاتب المقال قائلًا: "وليس من شكٍ أن الكثير من الناس الطيبين قد صدقوا أن هذا هو حال المرأة الأوروبية. ولا حاجة للقول إن شخصية "دافاس" إنما هي كاريكاتورية بل وكاريكاتورية مشوهة، فقد جمعوا فيها كل شيء ليجعلوها رمز رذيلة الغرب في مقابل فضيلة الشرق. وكان هذا منهم عملًا رديئا. كما لو أنهم مثلوا في أوروبا عصابة يبدو فيها شاب مصري يخدع امرأة، فمثل هذا الفيلم يضيق به الناس لأنه ينطوي على الحقد، ولكن ما من أوروبي صنع ذلك الفيلم، فكيف يخرجون في مصر فيلمـًا كهذا مبنيـًا على التعصب من دون أن يكون حتى على شيء من الفن".



ويقول محمد كريم في مذكراته: "ثم نشرت "المقطم" النبأ التالي: "قدم بعض الأجانب شكوى إلى وزارة الداخلية في فيلم "أولاد الذوات" وقالوا إن فيه تعريضـًا وأسبابـًا للنفور فندبت الوزارة جناب المستر غرايفز ومعه أعضاء اللجنة المختصة بهذه الأمور فذهبوا يوم الأربعاء إلى سينما متروبول حيث عرض الفيلم عليهم فحكموا بأن ليس فيه ما يستحق الاعتراض أو المؤاخذة على المرأة الفرنسية، وأكدت اللجنة إجازة الاستمرار في عرضه على أنظار الجمهور. وكان قد حدث على أثر هذه الحملة أن أوقفت وزارة الداخلية الفيلم في أول يومٍ من عرضه الثاني في سينما متروبول في الحفلة الصباحية، وحدثت في البلاد هزة كبرى لهذا المنع أفادت الفيلم فائدة عظيمة، وصادف عرضه إقبالًا كبيرًا".