الثلاثاء 23 أبريل 2024 الموافق 14 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

الحب والموت فى لندن (15)

الإثنين 12/أبريل/2021 - 02:18 م

على الرغم من اللهجة الاعتذارية في العديد من المقالات البريطانية بشأن محاكمة مارجريت بقتل زوجها علي فهمي كامل، فإنه من المشكوك فيه أن تكون قد قطعت شوطـًا طويلًا نحو تبديد الرؤية العامة والثقافية والنفسية والذهنية التي أيدت مقولة الشاعر روديارد كيبلنج (1865-1936) بأن "الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا أبدًا"، وجعلت من الممكن التلاعب بالعدالة استنادًا على أسسٍ عنصرية، كما حدث في قضية مدام فهمي.

الإثارة التي أحاطت بالقضية والمحاكمة، دفع مراسل جريدة "نير إيست" في القاهرة إلى أن يلاحظ أن "الصحف العربية في مصر أنفقت مبالغ طائلة على جلب تلغرافات من لندن عن قضية مدام فهمي. وقد امتازت "الأهرام" بنشر نصوص ما جرى في المحكمة، وحاول بعضهم هنا أن يبتاع نسخة من "الأهرام" بعد الظهر، فأبدى له غلامٌ يبيع الجرائد ملاحظة مفيدة قائلًا له: لو دفعت كل ما في مصر من المال لما حصلت بعد الظهر على نسخةٍ من "الأهرام" وفيها قضية فهمي"!

وعقب حادث فندق «سافوي»، تحدثت الصحافة المصرية عن الزواج المختلط وانقسمت الآراء حوله. وقد كان الكاتب الصحفي أحمد الصاوي محمد من الرافضين للزواج بأجنبيات. وعندما حرَم وزير المعارف على أعضاء البعثات العلمية الزواج في الخارج أثنى عليه الصاوي في عموده "ما قل ودل"، وقال: "ولم أشهد تخبطـًا في الزواج بالأجنبيات مثل تخبط الطلبة المصريين في أوروبا، فإن الطلبة يتزوجون غالبا بنساءٍ لسن في العير ولا في النفير، بل هن "نفاية" النساء".

أما محامى «ماجي»، السير «مارشال هول»، الذي حقَّر من الشرقيين وانتقد سلوك المصريين أثناء مرافعاته، فسخرت منه الصحف المصرية بشدة وهوجم بضراوة بعد الحُكم وشككت هذه الصحف في مصداقية ما قاله، باعتباره أجيرًا ينطق بلسان الذين ملأوا جيوبه بالمال. وانتقلت السخرية إلى مجال الزجل، وهاجم «بديع خيري» مارشال هول باستعارة أحد أدوار «داود حسني» الشهيرة، وهو دور (قمر له ليالي / يطلع لم يبالي) فكتب على وزنه قصيدة يقول في مطلعها (حمار له مخالي / يبرطع لم يبالي / ع الركاب يعفر / إخيه جته نيلة / فكرني بمحامي / راح طبعه حامي / في لندن شتمنا / وازداد في النعيلة). وصولًا إلى الطعن في موكلته «ماجي ميلر» (البت القبيحة / جلابة الفضيحة / وفلوس الولية/ رنتهم جميلة / بتطرطق ودانه/ وبتسحب لسانه / والقرش المسوجر / تنداس به الفضيلة).

غير أن هناك آراء مخالفة ظهرت في مصر، يقول الكاتب والمفكر المصري الدكتور لويس عوض في سيرته الذاتية "أوراق العمر" (مكتبة مدبولي، القاهرة، عام 1989) إنه: "بعد جرائم ريا وسكينة (1920) وجرائم أدهم الشرقاوي (1921)، كانت هناك جريمةٌ روعت الرأي العام في 1923 وظلت حديث الصحافة والناس لسنواتٍ طويلة، وكانت هذه جريمة مارجريت فهمي التي قتلت زوجها (الوجيه) المصري علي كامل فهمي بك في فندق من فنادق لندن الكبرى. وكنت يومئذٍ قد تجاوزت الثامنة من عمري، وكنت أتابع كل ما تكتبه الصحف والمجلات المصرية عن هذه القضية، ولذا بقيت ملامحها العامة في عقلي ووجداني أكثر من ستين عاما حتى كتابة هذه المذكرات. ولكني كالعادة، رجعت قبل التدوين إلى كتاب كنت قد قرأته منذ ثلاثين عامـًا اسمه "مرافعات مارشال هول الشهيرة". والسير إدوارد مارشال هول هو المحامي الإنجليزي الشهير الخطير الذي ترافع في لندن عن مارجريت فهمي واستخلص لهذه القاتلة المتلبسة أغرب حكم في تاريخ القضاء وهو البراءة".

ويتابع الدكتور لويس عوض حديثه قائلًا: "فلم تمنع جريمة مارجريت فهمي العديد من الشباب المصريين من الزواج بالأجنبيات"، ويقول: "من يقرأ صحافة العشرينيات والثلاثينيات وأدبهما، بل من يقرأ الصحافة والأدب منذ "عيسى بن هشام" و"زينب" حتى بداية الحرب العالمية الثانية، يجد فيها مناظراتٍ لا تنتهي بين الفتاة المصرية والفتاة الأوروبية"، وأن الانتصار للفتاة المصرية تعاظم مع انتشار تعليم البنات ومع اتساع الطبقة المتوسطة حتى غدت صورة الزواج بالأجنبيات شبيهة بالوباء القومي، وحتى تعالت الأصوات بحماية بناتنا من هذه المنافسة غير المشروعة وطالبت الأصوات الحكومة بحماية بناتنا كما تحمي الصناعة الوطنية"، لم يسكت الرأي العام والفن في مصر على ما جرى.