الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

عقارب الساعة الآن تعمل

الخميس 25/مارس/2021 - 02:20 م

"عامان على فراقنا.. لا أعلم كيف افترقنا ولماذا؟.. فجأة بدون مقدمات قررتِ الاختفاء.. دون كلمة وداع.. اختفت صورتك من على كل التطبيقات الذكية.. اللعنة على هذه التطبيقات التى أراقبها كل فترة لعلنى أحصل على معلومة عنك تبشرني بعودتك أو على الأقل بأنك مازلتِ تتذكريني.. أذهب إلى منزلك القديم أجده دائما مظلما.. بالتأكيد انتقلتي لمكان أخر..  انتقلتى ومعكى قلبى إلى مكان اخر "هكذا انهى مراد يومه.. يومه الذى يبدأ بصورة علا مع القهوة التى اعتاد أن يتناولها معها منذ سنتين.. ومع صورتها الآن.. وينتهى بالكتابة لها أو عنها".

مراد شاب فى آخر العشرينيات مسؤول عن حجز القاعات الخاصة بأحد الفنادق التى تطل على النيل، ارتبط فى أخر أعوام الجامعة بزميلته علا غريب حب الجامعة يجعلك تشعر وأنك ملكت كل الدنيا بين يديك بكلمة من الشخص الذى تحب، وأنت لا تملك حتى حق المواصلات، كانت تخبره دائما أنها تحلم بفرح كبير لهما على ضفاف النيل، النيل الذى يراه يوميا ليتذكر كلامها له .

مازال يعيش "مراد" داخل هذه القصة التى انتهت منذ سنتين، على الرغم من أنه مجتهد وذكى وحقق الكثير فى عمله إلا أنه يعانى من عدم قدرته على تخطى هذا الحاجز الزمنى ما بين ارتباطه بها وانفصاله عنها، وكأن الزمن فى لحظة ثبات منذ تلك اللحظة، يذهب لشراء الملابس فيختار الألوان التى كانت تروق لها، مازال يأكل من ذلك المطعم الذى احتفلا فيه سويا بترقيته فى العمل والحصول على راتب أكبر ومنصب أفضل، ترك هذا العمل وذهب لمكان أفضل، تدرج وظيفيا وامتلك سيارة مستعملة بحالة جيدة، أصدقاء جدد، منزل جديد، ومازال يشعر أن ساعات العالم كلها توقفت لحظة فراقهما، مازال مؤمنا أنه خلاف وستعود الأمور كما كانت، هل يوجد مرض نفسى من أعراضه الشعور بتوقف الزمن؟ كان يسأل نفسه دائما "هل أصبحت مريضا نفسيا؟" ليسرع بالإجابة "لا لا أنا بخير، اعمل وأكل وأنام".. ثم يسأل نفسه "هل من الأساس المريض النفسى يعلم بحقيقة مرضه؟" وهل الأكل والعمل والنوم من علامات الحياه الصحية؟ فكر كثيرا فى الذهاب لطبيب نفسى يساعده فى تخطى تلك الحالة، لا يريد أن يساعده فى النسيان لأنه يرفض نسيانها ويقول دائما لكل من حوله "هو الواحد هيلاقى حب عمره كام مرة فى حياته عشان أنسى فى سنة أو سنتين"، ولكنه يريد أن يساعده فى التخفيف من أعراض توقف الزمن.

ينتهي اليوم بالكتابة لها ويبدأ يوم آخر على أنغام أم كلثوم وهى تقول "بعيد عنك حياتي عذاب" فى صحبة صورتها مع فنجان قهوته، يذهب لعمله وتخبره إحدى العاملات فى الفندق أن هناك ضيوف ينتظرونه فى المكتب، بالفعل يذهب لمكتبه ليرى أمامه "علا" فجأة شعر وكأن قلبه ينبض من جديد، ساعات العالم بثوانيها ودقائقها عادت للدق مرة أخرى.. "علا" أنا مش مصدق أنى شايفك، أنتى عرفتى أزاى أنى شغال هنا دلوقتى، أنا عمرى ما نسيتك، أخيرا رجع...".. تقاطعه "علا"  "مراد أهلا أزيك، لا أنا أتفاجئت زيك بالظبط إنك موجود هنا، أحمد دا مراد كان زميلى فى الجامعة"، تفاجأ مراد بوجود شخص ثالث فى المكتب لم تره عينه التى تعودت ألا ترى سواها فى وجودها أو غيابها - ليقطع أحمد الصمت قائلا  "كويس أوي .. يعني معرفة وهيظبطلنا كل حاجة خاصة بفرحنا".

انتهى اليوم غير العادى نهاية كل يوم، النهاية التقليدية،  قرر مراد كالعادة أن يكتب لها "عانيت كثيرا فى غيابك.. الآن تعلمت أن الحياة لا تعطى منتظرا ما تمناه.. الآن أحققلك حلمك فى زفاف على ضفاف النيل ولكن مع غيرى.. لن أذهب لطبيب نفسى ثانية لأننى اكتشفت علتى.. علتى هى أنتِ.. الآن عادت عقارب ساعتى تعمل حسب التوقيت المحلى بعدما ظلت سنوات تعمل بتوقيت غيابك.. الآن فقط اكتشفت أن الزمن توقف فعلا.. ولكن فى عقلى أنا فقط.