الخميس 09 مايو 2024 الموافق 01 ذو القعدة 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

الحب والموت فى لندن (12)

الإثنين 15/مارس/2021 - 03:19 م

خلال محاكمة الفرنسية قاتلة زوجها المصرى، قال المحامى البريطانى السير مارشال هول إن الزوج تعهد بأن يدفع لمارجريت صداقـًا بلغ ألفى جنيه، غير أنه لم يدفع منها سوى أربعمئة وخمسين جنيهـًا وأعطاها صكـًا بالباقى، "وكان هذا المبلغ هو كل ما أخذته مدام فهمى من هذا الرجل الذى نعتوه بأنه من أكبر أغنياء مصر". 

ومع أن السير هول لم يقدِّم ما يثبت به صحة هذه القصة، فإن البعض في مصر رأى أنها حتى لو حدثت إنما تدل على نظرةٍ مادية للزواج تفوق اعتباره رباطـًا مقدسـًا وأساسـًا لبناء عائلة.

ويصوّر المحامي الزوجة الفرنسية وقد عاشت في القصر الذي هيأه لها علي كامل فهمي بك في القاهرة "تحت رحمة خدمِ من الزنوج وصارت أسيرةً في يده على نوعٍ ما"، ومرةً أخرى لا يعير التفاتـًا إلى حقيقة أن عدد الخدم فى القصور كان يشكِّل جانبـًا من الأبهة الاجتماعية للطبقة التى ينتمي إليها الزوج، أما القول بالأسر فيذهب كتاب "الأهرام ديوان الحياة المعاصرة" (الجزء العاشر) الذى حرره د.يونان لبيب رزق إلى أن مصدره هو "سعي الرجل لكبح جماح "المدام" التي رغبت أن تعيش بنفس الطريقة الباريسية التي تعودت عليها، وهو ما كان يمكن أن يُعرِّضه للقيل والقال في عاصمة المعز!" (ص 76).

وبحركةٍ مسرحية، يُخرج السير مارشال هول خطابـًا غفلًا من الإمضاء ادعى أن أحدهم أرسله لمارجريت من باريس، وكان أشبه بعريضة اتهام للشرقيين، جاء فيه: "أرجو أن تسمحي لصديقٍ جاب أقطارًا عدة من بلاد الشرق ودرس أخلاق الشرقيين وعرف اعوجاج طباعهم أن يسدي لك بعض النصح، فلا تعودي إلى مصر، وخيرٌ لكِ أن تخاطري بالثروة من أن تخاطري بحياتك، ولا يبعد أن يصيبك حادثٌ إذا سافرتِ".

وقبل أن ينهي مرافعته الطويلة، يخلص محامي مارجريت إلى القول بأن كل عيوب الرجل الشرقى قد بدت فى تصرفات على كامل فهمى بك، فهى "امرأة ذات قوة جذابة غريبة، هاشة باشة هادئة ساكنة (كذا) ارتكبت غلطةً فادحة فى تقديرها أخلاق فهمى بك وكثيرًا ما تميل النساء إلى من هم دونهن سنـًا من الرجال، وقد ظهر فهمى بك بما جُبِلَ عليه من الدهاء الشرقى بمظهر الرقة والقبول فى عينيها، وهو رجل ولوعٌ بالنساء، وقد بدأ خداع هذا الرجل الخائن يظهر بعد أن عقد عليها عقدًا مدنيـًا، فمنذ ذاك الوقت بدت حقيقة طباعه، فتحول من عاشق دنف إلى وحشٍ ضارٍ مع أحط ما عرف من الطباع وكلما أنعم الإنسان النظر في الأحوال التى عاشت فيها هذه المرأة المنكودة لا بد أن تعتريه القشعريرة والاشمئزاز".

ويعود السير مارشال هول يوم الجمعة 14 سبتمبر ليطالب المحلفين بألا يضعوا اعتبارًا إلى كون فهمى بك أصغر من زوجته بعشر سنوات، وهو يقول: "نعم، إنه لم يكن يبلغ سوى الثالثة والعشرين من العمر ولكنه كان منغمسـًا في كثير من الرذائل ومنهمكـًا في الإسراف بقواه الجنسية"، ومرةً أخرى ردد اتهاماته للرجل الشرقى بأنه يعتبر امرأته متاعـًا من الأمتعة التى يشرف عليها سكرتيره، وأنه مهما بلغ الشرقى من التمدن فلا بدَّ أن تجدوا الطباع الشرقية تحت جلده، وعلى حد توصيف "الأهرام"، فإن كثيرًا من الأقوال الشبيهة التى رددها المحامى الشهير التى ألقاها اتسمت "ببراعةٍ فى التمثيل كبراعته فى المحاماة"، الأمر الذى كان محل تأثيرٍ ظاهر على المحلفين وعلى الرأى العام البريطانى فى الوقت نفسه.

وفي ظل كيل محامي الدفاع الاتهامات للقتيل وحرصه على رسم صورة نمطية للرجل الشرقي، احتج سفير مصر لدى بريطانيا علنـًا على هذه الاتهامات التي يلقيها السير مارشال هول جزافـًا. غير أن الصورة انطبعت في أذهان كثيرين، وأصبح القتيل محل إدانةٍ وهو راقدٌ في قبره.

وعرض مارشال هول سهولة إطلاق النار من المسدس الذى ارتكبت به الجريمة، وقال خبير المقذوفات النارية من الشرطة إن المسدس يمكن فقط استخدامه عمدًا، لأن الزناد كان ثقيلًا، غير أن مارشال هول أمسك بالمسدس وبحركةٍ خفيفة من إصبعه ضغط على الزناد أربع أو خمس مرات، ليثبت كم هو سهل أن تقتل بضغطةٍ خفيفة على الزناد.

وجادل محامي الدفاع بأن مشادة وقعت بين الزوجين على المائدة فى تلك الليلة الحزينة، انصرفا بعدها مستأذنين أصدقاء السهرة إلى الفندق، وفي بهو الفندق، كانت عبارات الشجار تتناثر، قبل أن يتطور الخلاف بين الزوجين وتخرج الأمور عن السيطرة، لتطلق مارجريت النار على زوجها فى غرفتها وهى فى حالة دفاعٍ عن النفس، ردًا على محاولته قتلها، بل إن مارجريت دفعت فى المحاكمة بأنها لم تكن تعلم بأن المسدس محشو بالرصاص وأنها كانت فريسة الخوف من سادية زوجها، فلم تدرك حقيقة ما جرى إلا حين رأته يسقط مضرجـًا في دمائه. وقالت إنه حين دخل زوجها جناحها كان غاضبـًا، وبعد احتدام الخلاف قال لها بلهجةٍ بها الكثير من التهديد: "الآن سأنتقم لنفسى منك"، فصرخت فى وجهه وطردته من غرفتها، ثم لمحت مسدسها على المقعد، فتناولته وصوبته على زوجها على سبيل التهويش.. فوقعت الجريمة! .

وفي مرافعته الختامية، وفى سياق وصفه لعلى كامل فهمى بك، تحدَّث محامى الدفاع عنه بوصفه أجنبيـًا غريبـًا وخطيرًا، قبل أن يتقمص أمام المحلفين شخصية "البرنس" المخيفة التى تمثل تهديدًا للآخرين، بل إن المحامي قام بتمثيلية صوَّب أثناءها مسدسـًا فى يده فجأة ناحية المحلفين، لتصاب على الفور سيدتان من هؤلاء المحلفين بالهلع، فاستغل مارشال هول ما جرى ليربط بين ما جرى من المجنى عليه وبين ما حدث فى قاعة المحكمة.