الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
حازم عادل
توك شو

باحث يكشف: لماذا بنى الفراعنة قصورهم من الطوب اللبن ومقابرهم من الحجر الأبدي؟

السبت 01/نوفمبر/2025 - 10:06 م
محمد خميس
محمد خميس

قال الدكتور محمد خميس، الباحث الأثري، إن المشهد الحضاري المصري القديم يثير دائمًا تساؤلات جوهرية مفادها كيف استطاع ملوك بناة الأهرامات وأصحاب الإمبراطوريات العظيمة أن يعيشوا في مساكن بسيطة من الطوب اللبن، بينما خصصوا الحجر الصلب والمعابد الضخمة للموت والحياة الأخرى؟، موضحًا أن الإجابة تكمن في المحرك الأساسي للحضارة المصرية القديمة وهو عقيدة البعث والحياة الحقة بعد الموت.

 

وأضاف “خميس”، خلال لقائه مع الإعلامي عمرو حافظ، ببرنامج “كل الكلام”، المذاع على قناة “الشمس”، أنه على الرغم من عدم وجود قصور قائمة على غرار الأهرامات والمعابد، إلا أن علماء الآثار عثروا على بقايا قصور الملوك العظام، وجميعها مبنية من الطوب اللبن، وتم العثور على قصور من الطوب اللبن في عدة مواقع، مثل بقايا قصر رمسيس الثالث بجوار مدينة هابو، وقصر إخناتون في تل العمارنة، وقصر مرنبتاح في منف، وحتى أرضية قصر إخناتون المعروضة حاليًا في المتحف المصري بالتحرير.

 

وأوضح أن المفهوم الذي حكم هذه الصناعة هو أن الحياة الدنيا (الزائلة) تُبنى من مواد سريعة التحلل كالطوب اللبن والأخشاب، لأنها حياة مؤقتة وغير مهمةن والحياة الحقة بعد البعث (الخالدة) تُبنى من مواد تدوم إلى الأبد مثل الحجارة والجرانيت (المقابر والمعابد)، وهذا المفهوم هو الذي وجه كل المنجز المصري القديم، فكان هدفهم هو بناء ما يضمن لهم الخلود في الآخرة.


ولفت إلى أن ما يمنح الحضارة المصرية القديمة تفردها ليس فقط الإنجاز المادي، بل عمق مفهومها الروحاني، وعلى عكس الحضارات القديمة الأخرى (كالحضارة العراقية التي لم يكن لديها مفهوم واضح لما بعد الموت، أو اليونانية والرومانية التي اقتصر مفهومها على مملكة الموتى "هاديس/بلوتو")، اعتقد المصري القديم أنه سيموت ليُقدم أمام محكمة المعبودات، برئاسة أوزوريس، وبحضور الإله تحوتي (الكتابة) وأنوبيس (التحنيط)، و42 قاضيًا يمثلون مقاطعات مصر، ويخضع المتوفى للـ"القسم الإنكاري" وينكر فيه 42 إثمًا ارتكبها، ومن أجمل أقسام هذا الإقرار بالذنب الإيجابي: "لم أعَبَسْ في وجه جاري" و"لم أتسبب في بكاء أحد" بالظلمن وبعد القسم، يُوزن قلب المتوفى أمام ريشة الإلهة ماعت (إلهة العدل)، وإذا رجح القلب (أي كان مثقلاً بالذنوب)، حُكم عليه بالفناء، وإذا تعادلت كفته مع الريشة (أي كان صادقًا في قسمه ونقي القلب)، دخل الجنة (إيارو)، حيث المزارع الخضراء ليخلد مع المعبودات.

 

ونوه بأن هذا الاهتمام بالخلود يفسر أيضًا سبب ندرة توثيق المصري القديم لكيفية بنائه لإنجازاته الهندسية على جدران المعابد، ولم يكن يهمه توثيق التفاصيل التقنية الدقيقة مثل "كم طن أسمنت صببنا؟"، بل كان يعرض الإنجاز النهائي أمام المعبودات؛ فكان يكتفي بالتباهي على جدران مقبرته قائلًا: "أنا صنعت هذا الإناء الحجري العظيم"، وكانت التفاصيل التقنية والمهنية تُنقل شفهيًا أو تُسجل على مواد غير دائمة مثل الأوستراكا (كسر الفخار)، وقد كشفت اكتشافات مثل آبار دير المدينة عن كنوز من الرسومات الهندسية المسجلة على هذه الشقف، والتي كانت تُستخدم للتعليم والعمل اليومي.

 

وأكد أن الحضارة المصرية هي حضارة الإنجازات العظيمة التي كانت تحركها فكرة أخلاقية وروحانية عميقة وهي أن الحياة الحقيقية تبدأ بعد الموت، وكل ما نبنيه هنا يجب أن يكون دليلًا لخلودنا هناك.