"المرشحون الجائلون".. ظاهرة جديدة تشعل فتنة بين المواطن والنائب وسياسيون: أسوأ مظاهر المشهد الانتخابي (خاص)
مع اقتراب انطلاق انتخابات مجلس النواب 2025، تبدو الساحة السياسية أشبه برقعة شطرنج كبرى، تحرك فيها الأحزاب مرشحيها كقطع مدروسة، بعضهم يُدفع للأمام، وآخرون يُنقلون من محافظة لأخرى، كأن الهدف الوحيد هو الوصول إلى "كش ملك" تحت قبة البرلمان، ولو على حساب قواعد اللعبة الديمقراطية.
في قلب هذه الرقعة، طفت على السطح ظاهرة جديدة يطلق عليها البعض بـ"المرشحين الجائلين في انتخابات النواب" وهم أولئك الذين غادروا دوائرهم الأصلية، وتبدلت انتماءاتهم الحزبية، أو هبطوا بالمظلة على دوائر لا تربطهم بها أي جذور.
أبرز "المرشحين الجائلين" بين المحافظات
وشهدت التحضيرات لانتخابات مجلس النواب 2025 انتقال عدد من النواب والمرشحين البارزين من دوائرهم الأصلية إلى محافظات جديدة، وكان من أبرزهم، النائب طارق رضوان، الذي كان ممثلًا لمحافظة سوهاج ورئيسًا للجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، وانتقل للترشح ضمن القائمة الوطنية عن إحدى دوائر القاهرة، كما ترشح محمد يسري عبادة، الذي مثّل سابقًا محافظة البحيرة، وجاء على رأس القائمة الوطنية لحزب الشعب الجمهوري في القاهرة.
وغادر النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، دائرة المحلة بمحافظة الغربية ليخوض السباق من القاهرة، فيما انتقلت المرشحة دعاء فتحي البنا من البحيرة إلى الفيوم، ويخوض محمد تيسير مطر الانتخابات عن الفيوم بعد أن كان نائبًا عن القاهرة.
أما الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، المولود في محافظ أسيوط، وكان عضوا في مجلس الشيوخ السابق بالتعيين؛ فقد ترشح الآن ضمن القائمة الوطنية لقطاع غرب الدلتا، ورغم أن ذلك لا يمثل جذوره الاجتماعية أو السياسية المباشرة.
وتعد ظاهرة "المرشحين الجائلين في انتخابات النواب" جديدة على الساحة السياسية في مصر، وهو الأمر الذي يثير عدة تساؤلات حول هل هذه الظاهر تعكس أزمة كفاءات أم سيطرة للمنطق السياسي؟ وهل من المفضل أن يمثل النائب دائرة لم تربطه بها أي جذور أو نشاط سياسي سابق أم يخوض الانتخابات عن دائرته؟ ومدى انعكاسات ذلك قانونيًا وشعبيًا؟.
وفي هذا الصدد يناقش “مصر تايمز” من خلال الأسئلة المطروحة هذه الظاهرة الحديثة على الساحة السياسية مع بعض الخبراء والمتخصصين السياسيين من مختلف التوجهات، لإضافة إلى ردود فعل المواطنين على هذه الظاهرة، من جميع النواحي السياسية والقانونية والشعبية، ومدى تقبل هذه الفكرة بالشارع المصري، وما إذا كان هناك معايير أو لوائح تنص على ذلك من عدمه؟.
رئيس حزب المستقلين الجدد
وتعليقًا على ذلك، أبدى الدكتور هشام عناني، رئيس حزب المستقلين الجدد، قلقه من ظاهرة تنقل النواب بين الأحزاب المختلفة قبيل انتخابات مجلس النواب 2025، واصفًا ما يحدث بأنه أبعد ما يكون عن الممارسات السياسية النظيفة.
وأضاف رئيس حزب المستقلين الجدد في تصريحات خاصة لـ"مصرتايمز" أن السياسة بطبيعتها مجال مفتوح لتغير القناعات والرؤى، لكن الإشكالية لا تكمن في المبدأ، بل في توقيت التنقل، خصوصًا حين يحدث قبل الانتخابات بفترة وجيزة وبعد سنوات قضاها النائب تحت عباءة حزب معين داخل البرلمان.
وأوضح أن بعض النواب الذين لم يُدرجوا على قوائم أحزابهم، سارعوا إلى الترشح من خلال أحزاب أخرى، وهو ما يفتح الباب أمام الطعون القانونية بشأن الصفة الحزبية، ويكشف عن خلل تنظيمي داخل الأحزاب التي تقبل مرشحين منتمين لأحزاب منافسة دون معايير واضحة.
وتابع عناني: "هذا السلوك يوجه طعنة مباشرة لبرامج الأحزاب ومصداقيتها أمام الشارع، ويعمّق أزمة الثقة مع الناخبين، مشيرًا إلى أن ما هو أخطر من ذلك يتمثل في تقديم بعض أعضاء مجلس الشيوخ استقالاتهم للترشح لمجلس النواب، وكأن التنقل بين المجالس النيابية أصبح أمرًا مستباحً"، لا يخضع لأي قواعد أو اعتبارات مؤسسية، معتبرًا أن هذا يُظهر استخفافًا بالحياة النيابية.
نائب رئيس حزب المؤتمر
من جهته، اعتبر اللواء الدكتور رضا فرحات، نائب رئيس حزب المؤتمر وأستاذ العلوم السياسية، ظاهرة انتقال النواب بين الأحزاب وتغيير دوائر ترشحهم من محافظاتهم الأصلية إلى محافظات أخرى، تحولًا لافتًا في المشهد الانتخابي المصري، مؤكدًا أنه تحول يثير في الوقت نفسه تساؤلات جوهرية حول معايير التمثيل الحقيقي وأسس الممارسة الديمقراطية.
وأوضح فرحات، في تصريحات خاصة لـ "مصر تايمز"، أن هذه الظاهرة لا يمكن فصلها عن طبيعة النظام الانتخابي والتحالفات التي تسعى إلى تحقيق توازنات داخل القوائم، مشيرًا إلى أن بعض الأحزاب تلجأ إلى الدفع بمرشحين ذوي حضور إعلامي أو جماهيري على حساب الانتماء الحقيقي للدائرة أو الحزب، وهو ما يُفقد العملية الانتخابية مضمونها التمثيلي لصالح حسابات سياسية مؤقتة.
وأضاف نائب رئيس حزب المؤتمر أن التنقل بين الأحزاب مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية يعكس خللًا في البنية الفكرية والتنظيمية داخل الأحزاب السياسية، معتبرًا أن الانتماء الحزبي يجب أن يكون نابعًا من قناعة فكرية وبرنامج سياسي واضح، لا مجرد وسيلة للوصول إلى مقعد تحت قبة البرلمان.
وأكد فرحات أن ترشح نائب في دائرة لا تجمعه بها صلة اجتماعية أو سياسية مباشرة يُحدث فجوة حقيقية بين النائب والناخب، ويحد من قدرة الممثل البرلماني على التواصل مع قضايا دائرته وفهم أولويات سكانها، مما يقلل من فعاليته التشريعية والرقابية، حتى وإن لم يكن هناك مانع قانوني من هذا الترشح.
وشدد على ضرورة أن تعيد الأحزاب النظر في آليات اختيار مرشحيها، مطالبًا بإعادة الاعتبار لقيم الانتماء الحزبي والمحلي، واعتماد الكفاءة والمصداقية والتواصل الحقيقي مع المواطنين كمعايير أساسية للترشح، بدلاً من الحسابات الضيقة التي قد تفرغ التجربة البرلمانية من مضمونها الديمقراطي والتنموي.
قيادي بالحركة المدنية الديمقراطية وأحد قيادات جبهة الإنقاذ
كما انتقد مجدي حمدان، القيادي بالحركة المدنية الديمقراطية وأحد قيادات جبهة الإنقاذ، ظاهرة السياسيين الجائلين في المشهد الانتخابي الحالي على حد قوله، قاصدًا تنقّل عدد من النواب والمرشحين بين الأحزاب السياسية والدوائر الانتخابية، دون ارتباط حقيقي بالجغرافيا أو الفكر الحزبي، مع اقتراب انتخابات مجلس النواب 2025.
وقال القيادي بالحركة المدنية الديمقراطية وأحد قيادات جبهة الإنقاذ، في تصريحات خاصة لـ"مصر تايمز"، إن ما يشهده الشارع السياسي من انتقال مرشحين من محافظاتهم الأصلية إلى دوائر لا تجمعهم بها أي صلة اجتماعية أو سياسية، هو أمر يمسّ جوهر العمل النيابي، ويُظهر هيمنة منطق المصلحة على حساب الانتماء والمسؤولية.
وأكد أن بعض النواب باتوا يتعاملون مع الأحزاب وكأنها سوق مفتوح، يتنقلون فيها حسب ما تتيحه الفرص، لا وفق قناعة أو التزام سياسي حقيقي، مشددًا على أن النائب الذي يفتقد الجذور المجتمعية في دائرته يفقد شرعيته الشعبية قبل أن يبدأ.
وتساءل حمدان: "كيف يمكن أن يمثل من لا يعرف الناس، ولا يعرفونه؟"، مؤكدًا أن القانون لا يمنع هذا النوع من التنقل، ولكنه اعتبر أن المشكلة تكمن في الشق الأخلاقي والسياسي.
ووصف حمدان ظاهرة تنقل النواب بأنها ضربٌ من العبث بالثقة العامة، وإفراغ لمفهوم التمثيل النيابي من مضمونه، مؤكدًا أن العلاقة بين النائب ودائرته ليست محطة انتخابية عابرة، بل عقد اجتماعي لا يجوز بيعه أو تغييره كل دورة.
وطالب حمدان الأحزاب بإعادة النظر في آليات ترشيح ممثليها، والتركيز على الكفاءة والانتماء الحقيقي، بدلاً من الاكتفاء بالأسماء اللامعة أو الترتيبات السياسية، داعيًا إلى استعادة المعنى الحقيقي للعمل النيابي كأداة تمثيل شعبي حقيقي، لا كوسيلة لعبور المقاعد البرلمانية.
رئيس حزب الدستور الأسبق
إلى ذلك، أكد علاء الخيام، رئيس حزب الدستور الأسبق، أن ما تشهده الساحة السياسية من تنقلات متسارعة للنواب والمرشحين بين الأحزاب السياسية والدوائر الانتخابية المختلفة، يمثل "أزمة سياسية حقيقية" تُفرغ العملية الانتخابية من معناها الحقيقي، وتُعمّق فجوة الثقة بين المواطن والنائب.
وقال رئيس حزب الدستور الأسبق، في تصريحات خاصة لـ"مصر تايمز"، إن انتقال أي نائب من حزب إلى آخر يجب أن يكون، في أي نظام سياسي، مرتبطًا باختلاف واضح في الموقف السياسي أو الأيديولوجي أو البرنامج الحزبي، لا أن يتم بدافع المصلحة أو الانتهازية السياسية كما يحدث في كثير من الحالات في مصر.
وأضاف: "ما يحدث اليوم هو انتقالات لا تُبرر بفكر أو خلاف سياسي حقيقي، بل يطغى عليها منطق المصلحة الشخصية، سواء بحثًا عن فرصة للترشح أو التقارب مع السلطة، وهو أمر يفقد النائب شرعيته الفكرية والسياسية، ويحوّل العمل الحزبي إلى مجرد بوابة للوصول إلى البرلمان".
وأشار الخيام إلى أن أغلب الأحزاب المشاركة في القوائم – مثل "مستقبل وطن" و"حماة الوطن" و"الشعب الجمهوري" – تتبنى رؤى متقاربة إلى حد التطابق، وبالتالي لا يوجد مبرر سياسي موضوعي يفسر انتقال نائب من أحدها إلى الآخر، مؤكدًا أن ما نشهده هو نوع من البراغماتية المفرطة التي تهدم المعنى الحقيقي للانتماء الحزبي.
وعبّر عن رفضه لما يوصف بالترشح بالمظلات أو "الباراشوت السياسي"، حيث يترشح البعض في دوائر لا تربطهم بها أي علاقة، معتبرًا أن النائب الحقيقي يجب أن يكون من أبناء دائرته، يعيش قضاياهم اليومية، ويكون قريبًا من نبضهم وهمومهم، لا أن يُفرض عليهم من أعلى.
وأوضح الخيام أن هذا النمط من الترشح يُكرّس لانفصال النائب عن الشارع، ويحوّل التمثيل النيابي إلى عملية مصطنعة تُدار من فوق، مشيرًا إلى أن بعض المرشحين بدأوا الاحتفال بنجاحهم حتى قبل فتح باب الاقتراع، وهو ما يُفقد المواطنين الشعور بجدّية العملية الديمقراطية.
وأشار رئيس حزب الدستور الأسبق إلى أن استمرار هذه الممارسات يُعد من أسوأ مظاهر المشهد الانتخابي في 2025، داعيًا إلى إعادة الاعتبار للفكرة الحزبية، وتعزيز مبدأ التمثيل الشعبي الحقيقي القائم على القرب من الناس لا القرب من السلطة.
عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين
وتطابق في الرأي، عمرو الشريف، عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين، حيث أكد أن المشهد الانتخابي لبرلمان 2025 يشهد حالة من إعادة توزيع واسعة للمرشحين بين الأحزاب السياسية، واصفًا ذلك بأنه "تخمة عددية" داخل بعض أحزاب الموالاة، دفعت عدداً من المرشحين إلى خوض الانتخابات من خلال أحزاب أخرى أو كمستقلين.
وأوضح الشريف أن هذا التحرك الكثيف بين القوائم والأحزاب لا يعكس بالضرورة تنوعاً سياسياً بقدر ما يؤكد غياب التوازن في إدارة الترشيحات، ويثب سوء التنظيم الداخلي لدى بعض الكيانات التي أصبحت غير قادرة على استيعاب أعضائها.
وانتقد الشريف استمرار العمل بنظام القائمة المطلقة المغلقة، معتبرًا أنه يقلل من التنوع الحزبي الحقيقي داخل مجلس النواب ويكرّس لصيغة التمثيل الأحادي، التي لا تتيح فرصة للأصوات المعارضة أو المستقلة للوصول إلى البرلمان.
وقال الشريف:"كل دول العالم تخلّت عن نظام القائمة المطلقة المغلقة، ونحن في حزب المحافظين كنا نرى أن نظام القائمة النسبية هو الأقدر على تحقيق العدالة السياسية والتنوع داخل البرلمان، بما يضمن تمثيلاً حقيقياً لكل التيارات، لا سيطرة تامة لطرف واحد".
المواطنون يتحدثون عن ظاهرة تنقل النواب
قال مصطفى عبد الحميد مواطن من محافظة القاهرة في حديثه لـ "مصر تايمز" "أنا مش ضد حد ينزل انتخابات في أي مكان، لكن لازم يكون عارف مشاكل الناس اللي بينزل وسطهم، فلو نائب جاي من محافظة تانية، ما يعرفش لا ظروفنا ولا مشاكلنا، هيعمل إيه غير إنه يختفي بعد ما ينجح؟".
وأضاف: ""والنائب الذي يغير الحزب بين الحين والآخر لكي يظل في في الصورة لا يصح أن يمثلني، لأن النائب الذي يمثلني ويمثل الشعب لابد يكون لديه مبدأ وقضية بيكمل فيها".
وقالت نجلاء علي من محافظة سوهاج في حديثها لـ "مصر تايمز": "كيف يُعقل أن يترشح نائب في دائرة لا يعرفه فيها أحد؟ العلاقة بين النائب وأهالي دائرته يجب أن تكون مبنية على ثقة ومعايشة حقيقية، لا على حسابات انتخابية مؤقتة".
وقالت مريم محمد من محافظة الفيوم في حديثها لـ "مصر تايمز": "لا أرى بأسًا في أن يترشح نائب في محافظة غير محافظته، طالما أنه يملك الكفاءة والرغبة في العمل، فكثير من النواب لديهم علاقات وخبرات على المستوى القومي، وليس فقط المحلي، وأعتقد ما يهم الجميع هو المصلحة العامة".
تابعوا مستجدات المشهد الانتخابي وتحليلات الترشيحات والدوائر لحظة بلحظة عبر بوابة "مصر تايمز" من هنا.





