الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

الحب والموت فى لندن (10)

الإثنين 01/مارس/2021 - 04:42 م

كان "سعيد العناني" مدير أعمال "علي كامل فهمي" هو الذي حال بين زجاجة الصودا التي رفعها الثري قبل أن يقذفها في وجه زوجته "ماجي"، ونجح في انتزاعها منه قبل أن يلفت نظر من بالملهي.. وفي أعقاب ذلك غادر الزوج المائدة غاضبـًا.. والعناني يجتهد للحاق به، ثم ينتحيان ركنـًا في المكان ويكرر عليه العناني نصيحته بتركها تسافر كما تريد، و"علي فهمي" يكرر على مسامعه السبب الرئيسي لاعتراضه على سفرها؛ إذ كان يخشى إذا سافرت ألا تعود، وهو ما كانت تهدده به منذ وصولها إلى لندن. 

وعلى عكس كثير من تهديداتهما المتبادلة، التي لم تكن معظمها جدية، بل مجرد تفريغات لشحنة الغضب مع الرغبة في إيلام الآخر، وهذا التهديد بالذات هز "علي فهمي" جدًا هذه المرة لأن سيطرته عليها في المدن المتحضرة كإنجلترا وباريس أقل درجة بكثير من سيطرته عليها في القاهرة؛ لذا استشعر جدية تهديدها وأحس بأنها في سبيلها لأن تهجره بتخطيطها الماكر وإصرارها على إجراء الجراحة في باريس حتى تسافر بلا عودة، بينما في الحقيقة لم تكن "ماجي" جادة فى إيماءاتها الغامضة إلى هجره، بل كانت تفعل ذلك كواحد من أساليب استخدام سلاح الحرب النفسية.. وحاول العناني تهدئته وإقناعه بالعودة إلى المائدة وأنه لا فائدة من وراء انسحابه من السهرة.

اقترح العناني عند عودته أن ينهضا للرقص معـًا، ولما لم يتحمس أحدهما، دعاها هو للرقص فقبلت دعوته، وواصل العناني محاولاته في تلطيف الجو طالبـًا منها أن تعالج الأمر بهدوء وألا تسعى إلى استفزازه حتى تمر الأزمة.. فلم تعلق إنما أنهت الرقصة بدعوى أنها مجهدة، ثم ألقت عليهما تحية المساء. ولم يرد "علي كامل" بينما صحبها العناني حتى باب المصعد ثم عاد إلى سيده، ولامه على إصراره على توتير الجو، واقترح عليه الصعود إليها قبل أن تنام حتى لا تغادر لندن والقطيعة بينهما قائمة، وكان العناني شديد الثقة -استنادًا إلى السوابق- بأن العلاقات بينهما ستصفو قبل أن تشرق الشمس.. تلك الشمس التي لم تشرق على وجه "علي كامل" مرة ثانية!

استمع "علي كامل" لنصيحة العناني وأنهى السهرة متجهـًا إلى الجناح الذي يضمهما، وبينما هي تحزم حقائبها سمعت خطواته فأسرعت بإغلاق الباب الذي يربط غرفتها ببقية غرف الجناح، وطرق عليها الباب فلم تفتح له ونادى عليها لتفتح فأبت، ولما يئس من ردها عليه، غادر الجناح عائدًا إلى صالة الرقص يُخطر العناني بما حدث وهو في حالة ضيق شديدة، لكن العناني ضحك وأخبره بأن هذا هو المتوقع وعليه أن يصبر قليلًا فسوف تفتح له.

في هذه المرة عاد "علي كامل" إلى غرفته ولبس بيجامته الحريرية، ثم خرج إلى الممر ليواصل الطرق على باب غرفتها، لكنها واصلت صمتها الذي استفزه فارتفع صوته -هذه المرة- يهددها باستدعاء الشرطة لكي تضبط الرجل الذي تخفيه تحت سريرها، وكانت خشيتها من إزعاج الجيران هي التي دفعتها لفتح الباب، ودخل يتظاهر بالبحث عن الرجل الوهمي الذي تخفيه، ثم ألقى نظرة على الحقيبة وعاود تكرار سؤاله المزعج عما إذا كانت تصر على السفر.. فقال له بتحد: سأرحل مهما كلفني الأمر.. فأنا أفضِّل الموت على الحياة معك.

ظل يناوشها فيخرج صورته من حقيبتها وهو يقول: أنا لا أريد أن تحتفظي بصورتي، ثم يخرج غاضبـًا من غرفتها وسرعان ما يعود بدبوس ماسي كانت قد أهدته له فيلقيه جوارها وهو يقول: لا تنسي أن تأخذي هذا معكِ. ويفتح لها النافذة وهو يشير للخارج قائلًا: لِمَ لا تُلقين بنفسك من هذه النافذة لأستريح منكِ؟!

ظل الشجار يحتد بينهما حتى وقع بصرها، حينما أفلتت منه، على المسدس الذي كان في مكانه على المنضدة فتلتقطه وتصوبه نحوه، طالبة منه ألا يقترب منها وأن يغادر غرفتها فورًا، ولكنه لم يهتم بتهديدها ولم يتوقف، بل ظل يتقدم نحوها وهى التي تتراجع بظهرها، ولما لمست إصراره سحبت ذراع المسدس إلى الخلف لتوهمه بجدية تحذيرها، ولما لم يتوقف صوبت المسدس إلى النافذة وضغطت على الزناد، وتظاهر "علي كامل" بالاستسلام وتراجع بظهره يفتعل الخروج، فانشغلت بفتحه له، فضرب كفها وأسقط المسدس بضربة خاطفة، ثم جذبها من ذراعها وهي تحاول الإفلات حتى حاصرها في ركن الغرفة وهمَّ بتقبيلها، لكن ظهر خادم الفندق وهو يدفع عربة حقائب النزلاء، وانشغل زوجها بتبرير الموقف، فاندفعت إلى غرفتها وأغلقت بابها عليها، لكنه غافلها ونجح في فتح الباب الفاصل بين غرفتيهما ووجدته يبتسم بسعادة، فأعادت التقاط المسدس وتوجهت نحوه بحزم تطلب إليه مغادرة الغرفة، لكنه لم يعبأ بها إنما أخرج من جيبه رزمة من النقود الفرنسية وقال لها: تستطيعين أن تكسبي هذه النقود لو وافقتِ على أن نتصالح الآن. ورفضت بحسم، فظل يتقدم نحوها وهي تتراجع كالمشهد السابق حتى لم يبق بينهما من مسافة سوى متر واحد، وعندما اندفع تجاهها "علي كامل" ليحتضنها ويشل حركتها، ضغطت على زناد المسدس لتنطلق من فوهته ثلاث رصاصات أصابته في عنقه، فسقط على الأرض مصابـًا في عنقه، واندفع شلال من الدماء شربه ذيل ثوبها الأبيض، في حين انتابتها حالة هستيريا بأنه يتظاهر بأنه أصيب، وانحنت على جثته وظلت تهزه وتقول: "علي".. قل يا حبيبي إنك تمزح.. قل إن شيئـًا لم يصبك!

لكن لعبة الحب انتهت هذه المرة بالموت.