ما بين الرسوم القضائية وقانون الإجراءات الجنائية.. "المحامين" ترفع شعار: "العدالة حق لكل المصريين"
تواجه نقابة المحامين اختبارًا حقيقيًا مع تصاعد أزمتين متوازيتين تهددان صميم الحقوق الدستورية للمواطنين، الأولى، أزمة الرسوم القضائية الجديدة التي فرضتها بعض المحاكم على الخدمات المميكنة، ووصفتها نقابة المحامين بأنها غير دستورية وتمس الفقراء قبل غيرهم.
والأزمة الثانية هي تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط الحقوقية والقانونية، الذين يعتبرونه مساسًا صريحًا بحق الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة.
وتتشابه الأزمتان في أنه في كليهما، تقف نقابة المحامين في صدارة المواجهة، للدفاع عن حق المواطن في التقاضي، وحقه في ضمان الدفاع والمحاكمات العادلة دون مساس بهذه الحقوق.
أزمة الرسوم القضائية
بدأت الأزمة حينما قررت بعض المحاكم فرض رسوم جديدة على خدمات أساسية مثل الاطلاع على القضايا، واستخراج صور ضوئية للمستندات، ونسخ ملفات القضايا إلكترونيًا، فيما يعرف بـ"الخدمات المميكنة".
وبرغم أن هذه الرسوم جاءت تحت غطاء تطوير الخدمات، إلا أن نقابة المحامين اعتبرتها تحميلًا غير دستوري للمواطنين، وتحولًا في فلسفة القضاء من الخدمة العامة إلى التقاضي مقابل الدفع.
أعلنت النقابة رفضها القاطع لهذه الرسوم، وبدأت إجراءات تصعيدية شملت تنظيم وقفات احتجاجية داخل المحاكم، وإعلان الإضراب الجزئي في بعض محاكم الاستئناف، والامتناع عن توريد الرسوم في عدد من الدوائر القضائية، تقديم طعون قضائية أمام مجلس الدولة.
ومن جانبه أكد عبد الحليم علام،نقيب المحامين، أن"فرض هذه الرسوم دون تشريع واضح أو موافقة النقابة يُعد مخالفة دستورية صارخة، مشيرًا إلى أن العدالة ليست ترفًا، وحق التقاضي لا يجب أن يُقاس بقدرة المواطن المالية.
ورغم تزايد الأصوات الرافضة، رفضت محكمة القضاء الإداري في وقت سابق طلبات وقف التنفيذ العاجل، مع تحديد جلسات لاحقة للنظر في الطعون المقدمة من نقابة المحامين ومراكز حقوقية أخرى.
مشروع تعديل الإجراءات الجنائية
قبل أن تُحل أزمة الرسوم القضائية، فجّر مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية أزمة أعمق داخل الوسط القانوني، خاصة ما يتعلق بالمادة 105 من مشروع القانون، التي يرى المعارضون لها أنها تُقيد ضمانات الدفاع وتمثل تراجعًا عن المبادئ الدستورية الراسخة.
تُعد المادة 105 من أبرز المواد المثيرة للجدل، إذ يرى المحامون أنها تنتقص من دور الدفاع أثناء التحقيق، وتعزز من سلطات جهات التحقيق على حساب التوازن بين الخصوم.
وفي وقت سابق، أبدى رئيس الجمهورية ملاحظات على المشروع، مطالبًا بمزيد من الضمانات الدستورية، إلا أن الصيغة الحالية بحسب نقابة المحامين لم تعكس تلك التوجيهات بشكل واضح.
نقابة المحامين تؤكدرفضها الحازم لتعديلات قانون المشروعات الجنائية
أصدرت نقابة المحامين، اليوم، بياناً رسمياً أكدت فيه تمسكها الكامل بحق الدفاع ورفضها لأي تعديلات على المادة 105 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، التي قد تمس جوهر الضمانات الدستورية التي تحمي حقوق المتهمين وتضمن محاكمة عادلة.
وقالت النقابة في بيانها إن دورها الوطني والتاريخي قائم على الدفاع عن سيادة القانون وصون الحقوق والحريات العامة، مشددة على أن قانون الإجراءات الجنائية يُعتبر من أهم التشريعات التي تنظم العدالة الجنائية في مصر، لما يحويه من ضمانات حقيقية تحمي المواطن في مواجهة سلطة الاتهام، وتحافظ على التوازن بين حقوق المجتمع وحقوق الفرد.
وأوضحت النقابة أنها رحبت في وقت سابق بمشروع القانون المقدم إلى مجلس النواب، مشيدة بالتوافق المهني والدستوري الذي جاء في المذكرة التفصيلية التي قدمتها النقابة، والتي حظيت بتقدير واسع داخل البرلمان، مشيرة إلى أن ذلك دعم التعاون والتكامل بين السلطات والمؤسسات المدنية.
وأعربت النقابة عن أسفها الشديد لانحراف اللجنة المكلفة بإعادة مناقشة المواد التي وجهها رئيس الجمهورية عن هدف التعديلات، والتي كانت تهدف إلى تعزيز ضمانات المتهمين وتقليل الاعتماد على الحبس الاحتياطي، مشيرة إلى أن المناقشات والمقترحات التي جرت خلال تلك اللجنة أضعفت حقوق الدفاع وقلصت معايير المحاكمة العادلة.
وأكدت النقابة ضرورة احترام الدستور والمواثيق الدولية التي انضمت إليها مصر، وعدم المساس بالحقوق والحريات المكفولة، ووصفت ضمانات المحاكمة العادلة والحريات العامة بأنها ليست مجرد ترف أو منحة، بل هي ركائز أساسية لبناء دولة عصرية تقوم على الثقة في مؤسسات العدالة.
وأكدت نقابة المحامين أنها لن تقبل بأي تعديل يمس نص المادة 105 كما ورد في مذكرتها إلى البرلمان، وأنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية، مع الالتزام بالمسالك السياسية والتوجه إلى رئيس الجمهورية بوصفه حامي الدستور، لوقف ما وصفته بالتجاوزات التي تؤثر على صورة العدالة ومكانة مصر الدولية.



