في ذكرى توقيع كامب ديفيد.. أبرز المحطات في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي
شكلت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل واحدة من أبرز المحطات في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ومثلت نقطة تحول من المواجهة العسكرية إلى مسار التسوية السياسية، وكسرت حاجز الرفض العربي للاعتراف بإسرائيل، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات في المنطقة.
البداية بين مصر وإسرائيل
بدأت جذورالصراع بين مصر وإسرائيل منذ لحظة إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، حين اندلعت أولى الحروب العربية الإسرائيلية عقب إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، و انتهت الحرب بما عُرف بـ"النكبة"، بعد هزيمة الجيوش العربية وتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين، ومنذ ذلك الحين، ظلت المواجهة بين مصر وإسرائيل متجددة على مدار عقود.
حرب "النكسة"
في عام 1956، كانت مصر على موعد مع “العدوان الثلاثي” حين هاجمتها إسرائيل مدعومة من بريطانيا وفرنسا، عقب قرار الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس؛ وبعدها بعقد واحد، في يونيو/حزيران 1967، شنت إسرائيل حربًا خاطفة على مصر وسوريا والأردن، انتهت باحتلالها سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية والضفة الغربية والقدس الشرقية؛ سُميت تلك الحرب بـ"النكسة" لما خلفته من آثار مدمرة عسكريًا ونفسيًا.
انتصار حرب أكتوبر
لكن مصر وسوريا عادتا لفتح جبهة القتال في حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، ونجح الجيش المصري في عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الحصين، بينما حققت القوات السورية تقدمًا في الجولان. ورغم نجاح الجيش الإسرائيلي لاحقًا في شن هجوم مضاد، إلا أن الحرب مثلت نقطة فارقة أعادت التوازن العسكري والنفسي للعرب، ومهّدت الطريق للتفكير في خيار السلام.
مبادرة الرئيس السادات إلى البيت الأبيض
اتخذ الرئيس المصري محمد أنور السادات خطوة غير مسبوقة، في نوفمبر/تشرين الثاني 1977، حين زار القدس وألقى خطابًا أمام الكنيست الإسرائيلي، و كانت هذه الزيارة بمثابة إعلان صريح لرغبته في إنهاء حالة الحرب، وإيجاد تسوية سلمية للصراع.
بداية اتفاقية كامب ديفيد
أعقب زيارة السادات إلى القدس مفاوضات شاقة برعاية أميركية، قادها الرئيس جيمي كارتر في منتجع كامب ديفيد بولاية ماريلاند، وبعد 13 يومًا من النقاشات، وقع في 17 سبتمبر/أيلول 1978 اتفاق إطاري للسلام، وهي مهد الطريق لتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في البيت الأبيض يوم 26 مارس/آذار 1979، بحضور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، وبرعاية كارتر.
أبرز بنود الاتفاقية
نصّت اتفاقية كامب ديفيد على عدة محاور رئيسية، من أبرزها:
1. إنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل، وبدء علاقات سلمية ودبلوماسية طبيعية بينهما.
2. انسحاب إسرائيل من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية، مقابل ضمان ترتيبات أمنية محددة.
3. نزع السلاح الجزئي في مناطق من سيناء، مع وجود قوات أممية ومراقبين دوليين لضمان التنفيذ.
4. حرية الملاحة للسفن الإسرائيلية في قناة السويس ومضائق تيران.
5. التزام الطرفين بعدم الدخول في اتفاقات أخرى تتعارض مع المعاهدة، وأن تظل بنودها ملزمة حتى في حال تعارضها مع التزامات سابقة.
6. الاعتراف المتبادل بين مصر وإسرائيل، وتأكيد حق كل طرف في العيش بسلام داخل حدود آمنة.
ورغم أن الاتفاقية تحدثت أيضًا عن حقوق الفلسطينيين، فإنها لم تتجاوز صياغات عامة عن "حكم ذاتي مؤقت" في الضفة الغربية وغزة، وهو ما جعلها محل انتقادات عربية واسعة.
ردود الفعل العربية والدولية
أصبحت اتفاقية كامب صدمة قوية للعالم العربي، إذ كانت مصر أول دولة عربية تكسر الإجماع الرافض للاعتراف بإسرائيل، و قررت جامعة الدول العربية نقل مقرها من القاهرة إلى تونس، وجرى تجميد عضوية مصر لسنوات، وواجه السادات عزلة عربية غير مسبوقة.
وعلى الصعيد الدولي، رحبت الولايات المتحدة والغرب بالاتفاقية باعتبارها خطوة نحو الاستقرار في الشرق الأوسط، بينما اعتبرتها إسرائيل إنجازًا استراتيجيًا تاريخيًا.
أما الفلسطينيون، فقد رأوا فيها تفريطًا في قضيتهم، لأنها ركزت على انسحاب إسرائيل من سيناء دون أن تلزمها بحل عادل للقضية الفلسطينية.
العلاقات بين البلدين بعد الاتفاقية
منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ظلت العلاقات بين مصر وإسرائيل متأرجحة بين التعاون والتوتر، فبينما جرى تبادل السفراء وفتح قنوات دبلوماسية وتجارية،و ظلت العلاقات الشعبية متوترة ، بل معادية في كثير من الأحيان، كما مرت العلاقة باختبارات عديدة، مثل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، والانتفاضتين الفلسطينيتين، وتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
ورغم ذلك، استمرت المعاهدة صامدة ولم تُلغ، حتى في أشد اللحظات توترًا، وفي فبراير/شباط 2024، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن تهديد مصري بتعليق الاتفاقية إذا أقدمت إسرائيل على اجتياح بري لمدينة رفح في قطاع غزة، وهو ما يعكس أن اتفاقية كامب ما تزال ورقة ضغط بيد القاهرة في إدارة أزماتها مع تل أبيب.
وبعد مرور أكثر من 45 عامًا، ما زالت اتفاقية كامب ديفيد تثير جدلاً واسعًا، فهناك من يعتبرها إنجازًا للسادات، لأنها أنهت عقودًا من الحروب التي استنزفت مصر عسكريًا واقتصاديًا، وأعادت سيناء كاملة للسيادة المصرية؛ لكن آخرين يرونها بداية لانكشاف مصر عربيًا، وتفكك التضامن العربي، وفتح الباب أمام إسرائيل لتعزيز هيمنتها في المنطقة.





