الأحد 07 ديسمبر 2025 الموافق 16 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

مصر تحمي حقوقها المائية.. عباس شراقي يكشف تفاصيل سد النهضة بعد افتتاحه

الخميس 11/سبتمبر/2025 - 01:56 م
عباس شراقي يتحدث
عباس شراقي يتحدث عن سد النهضة

أكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية وخبير المياه، أن لجوء مصر إلى مجلس الأمن عقب إعلان إثيوبيا تشغيل سد النهضة كان خطوة دبلوماسية ضرورية لتوثيق حقوقها المائية أمام المجتمع الدولي.

وأوضح شراقي في تصريحات خاصة لـ "مصر تايمز" اليوم الخميس، أن الهدف لم يكن انتظار تدخل مباشر من المجلس، وإنما تسجيل موقف تاريخي يثبت التزام القاهرة بالقانون الدولي، ورفضها سياسة فرض الأمر الواقع الإثيوبية وفقًا للاتفاقيات والأعراف الدولية.

وأشار إلى أن مصر قدّمت خمس خطابات اعتراض سابقة مع كل ملء إثيوبي، وكانت مصر قد وجّهت آخر خطابات اعتراضها الرسمية إلى مجلس الأمن في سبتمبر 2025، لتسجل بذلك استمرار موقفها الرافض للإجراءات الأحادية الإثيوبية بشأن سد النهضة 2025، حفاظًا على حقوق الأجيال المقبلة.

وأضاف شراقي، إن توقيت إعلان إثيوبيا عن تشغيل سد النهضة لا علاقة له بمسألة الضغط على مصر، موضحًا أن السد كان قد اكتمل بناؤه العام الماضي بالفعل، وتم الملء، إلا أن بعض التوربينات لم تكن قد دخلت الخدمة بعد، إذ لم يعمل سوى 4 توربينات من إجمالي 13، وهي عملية فنية معقدة تستغرق وقتًا. وأكد أن الاحتفال الأخير جاء بالتزامن مع تركيب وتشغيل باقي التوربينات.

شراقي: مصر وضعت المواطن أولًا.. وأخطر مراحل سد النهضة قد انتهت 

وكشف الخبير المائي عباس شراقي أن مصر نجحت في تعويض العجز المائي الناتج عن حجز نحو 100 مليار متر مكعب خلف سد النهضة خلال ست سنوات، عبر إطلاق 19 مليار متر مكعب من مخزون السد العالي.

وذكر شراقي إن مصر وضعت المواطن في صدارة أولوياتها عند التعامل مع أزمة سد النهضة، حيث اتخذت الدولة مشروعات عملاقة وإجراءات عاجلة لتعويض أي نقص في المياه، بالتزامن مع تمسكها بحقوقها المائية عبر المسارات القانونية والدبلوماسية.

وأشار شراقي إلى أن إثيوبيا لن تتمكن من توسيع مشروعاتها أو تصدير الكهرباء إلى أوروبا دون وجود اتفاق وتشاور مع دولتي المصب، لافتًا إلى أن التعاون ولغة الحوار هما السبيل لإنجاح العلاقات وتوسيع المشاريع بما يعود بالنفع على الجميع.

وأضاف أن مصر سبق وشاركت في اللجنة التساعية التي طرحت فكرة صندوق التنمية المشترك عام 2018، موضحًا أن مثل هذه المبادرات لا يمكن أن تنجح إلا في ظل توافق واتفاق قانوني ملزم يضمن مصالح جميع الأطراف.

ولفت الخبير المائي إلى أن السنوات الأكثر خطورة على مصر كانت سنوات الملء، والتي انتهت بالفعل، موضحًا أن العام المائي يبدأ في أغسطس، وأن ما يأتي من مياه سيمر سواء عملت التوربينات أو لم تعمل، بما يجعل المرحلة المقبلة أكثر استقرارًا.

وأضاف أن الدولة أنفقت نحو 500 مليار جنيه على مشروعات كبرى، شملت تحلية مياه البحر، إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصحي، تبطين الترع، وحفر 5000 بئر للمياه الجوفية، بجانب تطوير نظم الري، مؤكدًا أن هذه الجهود جعلت المواطن العادي لا يشعر بالضرر المباشر من السد.

شراقي: أصناف أرز وبنجر جديدة توفر المياه وتضاعف الإنتاج

وأوضح الدكتور عباس شراقي أن الدولة المصرية تبنت استراتيجية لتطوير الخريطة الزراعية واستنباط محاصيل أقل استهلاكًا للمياه وأكثر إنتاجية.

وأشار إلى أنه تم استحداث أصناف جديدة من الأرز لا تتجاوز دورة زراعتها 110 أيام بدلًا من 150 يومًا، وتستهلك مياه أقل وتنتج 4 أطنان للفدان بدلًا من 2.5 – 3 أطنان.

من جانبه، أشار إن الدولة المصرية اتجهت إلى التوسع في زراعة بنجر السكر كبديل أقل استهلاكًا للمياه مقارنة بقصب السكر، في إطار خطتها لترشيد استخدام الموارد المائية.

وأوضح شراقي أن التحول ليس كليًا، حيث ما زالت هناك مساحات مخصصة لزراعة القصب، نظرًا لاعتماد قطاعات واسعة من الصناعة والمواطنين عليه في إنتاج العسل الأسود، فضلًا عن الاستفادة من مخلفاته في صناعة الأعلاف وغيرها من الصناعات الغذائية.

وأضاف أن هذا التوجه يعكس سياسة الدولة في إعادة هيكلة الخريطة الزراعية بشكل متوازن، بحيث يتم تقليل زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه دون الاستغناء التام عنها، مع توفير بدائل تحقق نفس العائد الاقتصادي وتستهلك مياه أقل.

شراقي: تصدير المحاصيل تصدير للمياه.. وانهيار سد النهضة كارثة كبرى على السودان 

وحذّر الخبير المائي شراقي من أن احتمالية انهيار سد النهضة ستجعل السودان أول المتضررين بطوفان مباشر، بينما تمتلك مصر قدرة أكبر على المواجهة.

وأوضح شراقي أن المسافة البالغة 2000 كيلومتر بين سد النهضة والسد العالي تمنح القاهرة أسبوعًا كاملًا للتحرك واتخاذ إجراءات وقائية، أبرزها تفريغ جزء من بحيرة ناصر أو استخدام مفيض توشكى الذي يمكنه تصريف مليار متر مكعب يوميًا.

وأكد شراقي أن هذه الاستعدادات تجعل مصر أكثر أمانًا، مع استمرار ضرورة نشر ثقافة ترشيد المياه حتى في أوقات الوفرة.

ووجّه شراقي مجموعة من التعليمات والنصائح للمواطنين والفلاحين والدولة لضمان الاستخدام الأمثل للموارد المائية، مؤكدًا أن ترشيد المياه صفة حضارية يجب الالتزام بها حتى في أوقات الوفرة.

وأشار شراقي إلى ضرورة نشر ثقافة الترشيد في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام والمنازل، مع التوسع في نظم الري الحديثة، وعدم ترك ماكينات الري تعمل لفترات طويلة دون داعٍ.

كما شدد على أهمية إعادة النظر في الخريطة الزراعية، بحيث يتم تقليل المساحات المزروعة بمحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، مقابل التركيز على زراعة محاصيل أقل استهلاكًا وأكثر قيمة اقتصادية.

وأوضح أن تصدير المحاصيل الزراعية يعادل تصدير مياه، داعيًا إلى التركيز على تصدير المنتجات المصنعة ذات العائد الأعلى مثل البصل المجفف، الطماطم المجففة، والفواكه المجففة، بدلًا من تصديرها خامًا بأسعار منخفضة. وأضاف أن تصدير البصل الخام مثلًا يحقق عائدًا أقل بكثير من البصل المجفف.

في المقابل، أوصى شراقي بالاعتماد على استيراد المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه من الخارج، وعلى رأسها القمح واللحوم، موضحًا أن إنتاج كيلو جرام واحد من اللحم يستهلك نحو 15 مترًا مكعبًا من المياه. وأضاف تأكيدًا لحديثه: "العربية البنزين الضخمة تطلع 2 كيلو لحمة فقط"، في إشارة إلى حجم التكلفة المائية الكبيرة.

وأكد أن هذه السياسة تحقق التوازن بين الحفاظ على الموارد المائية وتعظيم العائد الاقتصادي من الزراعة، مشددًا على أن الدولة والفلاح والمواطن شركاء في هذه المسؤولية الوطنية.