تشكيليون مصريون يرحبون بعودة بينالي الإسكندرية بعد غياب 12 عام
يعد بينالي الإسكندرية من أعرق الفعاليات الفنية في المنطقة، إذ جاء ليكون منصة رائدة للحوار والتبادل الثقافي في حوض البحر الأبيض المتوسط، يجمع بين الإرث الحضاري العريق والممارسات المعاصرة المتجددة.
وبعد انقطاع دام اثني عشر عاما، تعود الدورة السابعة والعشرون لتؤكد مكانة الإسكندرية كمدينة نابضة بالثقافات والفنون عبر أعمال جريئة وتجارب طليعية تتفاعل مع فضاءات المدينة وبرامجها العامة؛ مما أدى توقف البينالي إلى تراجع الثقل الثقافي والفني الذي كان يمثله، وانتقال مركز الاهتمام إلى دول الخليج واليوم.
ثالث أقدم بينالي في العالم
وفي هذا الصدد؛ قال الفنان والناقد التشكيلي صلاح بيصار إن بينالي الإسكندرية يُعد ثالث أقدم بينالي في العالم بعد بينالي البندقية (1897) وبينالي ساوباولو في البرازيل (1951)، موضحًا أن الرئيس جمال عبد الناصر افتتح أولى دوراته عام 1955 ليصبح ثاني بينالي لدول حوض البحر المتوسط بعد البندقية.

وأضاف الفنان والناقد التشكيلي، في تصريحات خاصة لـ"مصر تايمز" أن قيمة البينالي تكمن في تاريخه ومكانته الدولية، إذ شارك فيه منذ دوراته الأولى كبار الفنانين المصريين مثل صلاح طاهر، حسن بيكار، حامد عويس، عبد الهادي الجزار، ومحمود موسى، إلى جانب رموز في مجال النحت مثل كامل مصطفى العامري ومحمد هادرس. كما شهدت مشاركات نسائية بارزة من أسماء مثل تحية حليم ومارجريت نبيل.
وأضاف بيصار إلى أن دورات البينالي عبر تاريخه لم تقتصر على مصر فقط، بل ضمت دولًا من حوض البحر المتوسط مثل اليونان، فرنسا، يوغوسلافيا، سوريا، لبنان، وليبيا، وهو ما جعل منه جسرًا للحوار الفني والثقافي بين الشعوب، وساحة لعرض أحدث اتجاهات الفن التشكيلي عالميًا.
وأكد أن أهمية عودة البينالي بعد توقف دام 12 عامًا، تتجلى في تعزيز الحركة التشكيلية المصرية وإبرازها على الساحة الدولية، إلى جانب إتاحة الفرصة للمواهب الشابة للتعرف على تجارب الآخرين والانفتاح على ثقافات متعددة، ما يثري خبراتهم الإبداعية.
وتابع أن في ظل الظروف العالمية الصعبة والأزمات السياسية المتلاحقة، فإن الفن يلعب دورًا مهمًا في خلق حوار راقٍ بين الشعوب، والبينالي يمثل منصة للتلاقي وتجاوز الانقسامات من خلال لغة الفن.
شعار البنيالي
وحول شعار الدورة الحالية "هذا أيضًا سيمر"، أشار بيصار إلى أن الشعار يثير جدلًا وتفسيرات متعددة، إذ يراه البعض تعبيرًا عن واقع مأزوم وتحديات قائمة، بينما يتعامل معه آخرون كرسالة أمل وتفاؤل لتجاوز الأزمات، وكان من المهم توضيح مفهوم الشعار بشكل أكبر، خصوصًا أمام المشاركين من الدول الأجنبية، حتى تصل الرسالة بوضوح ودقة.
واختتم صلاح بيصار مؤكدا على ضرورة تكاتف الدولة والمجتمع المدني ورجال الأعمال لدعم استمرارية البينالي ماديًا ومعنويًا، وأن هذا الحدث يمثل واجهة ثقافية لمصر، ومن المهم أن يظهر بالصورة التي تليق بتاريخ البينالي ومكانة الإسكندرية على خريطة الفن العالمي.
دعم الحركة التشكيلية المصرية
من جانبها قالت الدكتورة ماجدة سعد الدين الفنانة التشكيلية وأستاذة التذوق الفني بأكاديمية الفنون، إن عودة بينالي الإسكندرية بعد توقف دام 12 عامًا تُعد حدثًا ثقافيًا وفنيًا مهمًا وخطوة موفقة تعيد للمدينة بريقها على ضفاف البحر المتوسط.

وأضافت الفنانة التشكيلية وأستاذة التذوق الفني، فغي تصريحات خاصة لـ" مصر تايمز" أن البينالي الذي انطلقت أولى دوراته عام 1955، يمثل إرثًا ثقافيًا وحضاريًا متجذرًا في وجدان المدينة، ويعزز مكانة الإسكندرية كإحدى العواصم الثقافية والفنية الملهمة في المنطقة.
وأشارت أن عودة البينالي تفتح الباب أمام دعم الحركة التشكيلية المصرية وتسليط الضوء عليها عالميًا، فضلًا عن تعزيز التواصل الحضاري والفني بين بلدان حوض البحر المتوسط.
وأكدت أن هذا الحدث يمثل فرصة كبيرة أمام المواهب الشابة للاطلاع على تجارب فنانين من ثقافات متعددة، وهو ما يسهم في إثراء قدراتهم الإبداعية وصقل خبراتهم الفنية.
عاصمة الثقافة المصرية
وفي هذا السياق؛ قال الفنان التشكيلي والكاتب أبو الفتوح البرعصي، ورئيس ومؤسس شعبة أدب البادية والتراث الشعبي باتحاد كتاب مصر، إن عودة بينالي الإسكندرية الدولي للفنون التشكيلية بعد غياب استمر 12 عامًا تُعد حدثًا مهمًا للغاية في الساحة الثقافية المصرية، وحدثًا لا يقل أهمية بالنسبة لعاصمة الثقافة المصرية مدينة الإسكندرية، بما تحمله من موقع جغرافي وتاريخي ممتد عبر العصور، وخاصة أن هذا البينالي موجه بالأساس لدول البحر الأبيض المتوسط، التي تضم أوروبا ودول الساحل الشمالي الإفريقي مثل مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وغيرها.

وأضاف رئيس ومؤسس شعبة أدب البادية والتراث الشعبي باتحاد كتاب مصر، في تصريحات خاصةلـ"مصر تايمز"، أن وجود هذا الملتقى الفني الكبير على أرض مصر، وتحديدًا في مدينة الإسكندرية، يُمثل قيمة ثقافية وفنية كبرى، لما يتيحه من لقاءات مباشرة بين الفنانين التشكيليين من مختلف دول العالم، ولما يعكسه من حراك ثقافي مهم يضيف للحركة التشكيلية المصرية.
وأوضح البرعصي أن مصر بتاريخها هي أم العروبة وقاطرة الثقافة والفن في العالم العربي، وعندما تقود مصر الحركة الثقافية كما اعتادت دائمًا، خاصة في مجال الفنون التشكيلية، فإنها تنطلق من تاريخ طويل يمتد إلى الجداريات والتماثيل التي تركها المصريون القدماء على جدران المعابد، وهو ما يمثل أقدم سجل تشكيلي عرفه العالم.
وأشار إلى أن بينالي الإسكندرية يُعد من أعرق البيناليات العالمية، فهو ثاني بينالي في حوض البحر الأبيض المتوسط بعد بينالي فينيسيا الدولي، وثالث بينالي دولي بعد بينالي ساو باولو والبندقية، حيث انطلقت أولى دوراته عام 1955، وافتتحها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ليكون بمثابة صورة حقيقية للحركة التشكيلية المصرية. ومع أنه عاد عام 2014، إلا أنه لم يكن بالقوة التي كان عليها من قبل، واليوم مع عودته بروح جديدة ورؤية مختلفة بقيادة وزير الثقافة الفنان التشكيلي الدكتور أحمد فؤاد هنو، ابن الإسكندرية وأستاذ فن الجرافيك بكلية الفنون الجميلة، فإن الآمال كبيرة في أن يستعيد البينالي مكانته وريادته.
وأكد أن إقامة البينالي بالإسكندرية تفتح المجال لاكتشاف مواهب جديدة من الشباب، حيث يمنحهم الفرصة للاحتكاك المباشر بالفنانين الكبار من مختلف دول العالم، والتعرف على المدارس الفنية المتنوعة من الكلاسيكية إلى التجريدية والتأثيرية والواقعية والمستقبلية وما بعدها، إضافة إلى الفوفية والفنون المعاصرة، مما يشكل مخزونًا بصريًا مهمًا للأجيال الجديدة من الفنانين والدارسين.
وأوضح أن البينالي يُمثل أيضًا رواجًا ثقافيًا وإعلاميًا ونقديًا مهمًا، فضلًا عن كونه فرصة للتسويق والبيع الفني، حيث تجذب المعارض المصاحبة له جمهور المهتمين باقتناء الأعمال الفنية، إضافة إلى وجود الجاليريهات العالمية، بما يسهم في ترويج الفن التشكيلي المصري عالميًا.
وتابع أن عودة بينالي الإسكندرية الدولي للفن التشكيلي حدث عالمي يعكس الوجه المشرق لمصر ثقافيًا وفنيًا، وأتوجه بكل التحية لوزارة الثقافة ولفنان الجرافيك الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وأتمنى أن تكون هذه الدورة انطلاقة جديدة وقوية، يستمتع بها المصريون وكل الفنانين المشاركين من مختلف دول العالم، على أرض مصر الحبيبة وفي عروس البحر الأبيض المتوسط مدينة الإسكندرية.
أهمية البنيالي
إن إعادة إحياء هذا البينالي يتجاوز مجرد استعادة فعالية فنية فهو يعكس طموح الإسكندرية في استعادة دورها الثقافي والسياحي، وإعادة وصل جمهورها المحلي والدولي بالفن والجمال، وتعزيز حضورها كمنارة للإبداع والتبادل الحضاري في البحر المتوسط.
لماذا الإسكندرية ؟
يشكل تاريخ الإسكندرية العريق وعمرانها متعدد الطبقات منصة ملهمة لاستكشاف الفن المعاصر، بينما ينسج مجتمعها الثقافي المتماسك من القادة ورواد الأعمال، وجامعي الفنون، وعشاق الإبداع والصناعة الفنية المتنامية ، رؤية واعدة تتطلع إلى الاعتراف الأوسع الذي تستحقه المدينة.
ولما اختيرت مدينة الإسكندرية لتكون أول عاصمة للثقافة والحوار في منطقة المتوسط لعام 2025، فقد رأت وزارة الثقافة أن إطلاق الدورة الحالية في نفس العام يأتي ضمن تسليط الضوء على التنوع الثقافي وتعزيز التفاهم المتبادل بين عروس البحر المتوسط والدول المحيطه.
تمنح الواجهة البحرية والنسيج العمراني للإسكندرية فرصا استثنائية للأعمال الفنية التفاعلية المرتبطة بالمكان القادرة على جذب الاهتمام المحلي وإلهام المخيلة العالمية.
وقبل كل شيء، فإن هوية الإسكندرية المتنوعة والمتعددة الأبعاد، بل والمتنازع عليها تاريخيا، تعكس الكثير من القضايا العالمية الملحة اليوم: من الانتماء والذاكرة إلى التعددية الثقافية والقدرة على الصمود.
"هذا أيضًا سيمر"
"هذا أيضًا سيمر" المفهوم القيم للدورة السابعة والعشرين يضع مدينة الإسكندرية في موقع ليس فقط مؤهلاً وجاهزا، بل أيضا ذات صلة عميقة ومعنى متجدد.


