إزالة الحواجز أمام السفارات في مصر رسائل للخارج أم سياسة جديدة لتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل؟ (خاص)
في خطوة تعكس تحولًا مهمًا في السياسة الأمنية والدبلوماسية لمصر، أعلن وزير الخارجية بدر عبد العاطي، في تصريحات صحفية، أن جميع الحواجز الأمنية المحيطة بالسفارات الأجنبية في البلاد ستزال خلال الأيام المقبلة.
يأتي هذا القرار ضمن توجه الدولة لتعزيز السيولة المرورية وتحسين المشهد الحضري للشوارع القاهرة، مع التأكيد على مبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات الدولية، وذلك بعد الجدل الذي أثاره إغلاق السفارة البريطانية أبوابها مؤقتًا عقب إزالة الحواجز أمام مقرها بالقاهرة ثم بعد ذلك أعلنت السفارة مباشرة عملها بشكل طبيعي.
وتعليقا على ذلك؛ أكدت الدكتورة دينا محسن، خبيرة الشؤون الدولية ومدير مركز العرب للدراسات، أن قرار الدولة المصرية بفتح جميع الشوارع المغلقة أمام السفارات الأجنبية يأتي في إطار سياسة جديدة ترتكز على مبدأ المعاملة بالمثل، مشيرة إلى أن هذا المبدأ أصبح أحد ركائز السياسة الخارجية لمصر في الفترة الأخيرة، إضافة إلى أن هذا القرار جاء متأخرًا، لكنه يمثل خطوة طبيعية تتماشى مع عودة الأمن والاستقرار في البلاد.
مبدأ المعاملة بالمثل
وقالت خبيرة الشؤون الدولية في تصريحات خاصة لـ"مصر تايمز" إن مبدأ المعاملة بالمثل يقتضي أن تحصل السفارات الأجنبية في مصر على نفس مستوى الحماية والتأمين الذي تتمتع به السفارات المصرية في الخارج، فإذا كانت الدولة المضيفة لا توفر الحماية الكاملة للسفارة المصرية، فلا ينبغي أن تُطالب القاهرة بتقديم حماية استثنائية أو مبالغ فيها لسفاراتها.

وأضافت أن هذا القرار يحقق التوازن، ويخفف الأعباء الأمنية والمادية، ويحمي في الوقت نفسه الأمن العام دون إفراط أو تفريط، وأن إغلاق الشوارع لفترات طويلة كان يسبب تعطيلًا لحركة المواطنين وإضرارًا بالتجارة والمصالح الحيوية في تلك المناطق، مؤكدة أن الظروف الأمنية التي دفعت لهذا الإغلاق، خاصة في أعقاب أحداث عام 2011 وما تبعها من اضطرابات، قد تغيرت الآن.
وجهت محسن، انتقادًا حادًا للطريقة التي تناولت بها بعض وسائل الإعلام المصرية هذا الملف، معتبرة أن الخطاب الإعلامي كان ضعيفًا وغير ناضج، الأمر الذي أتاح للمنصات الأجنبية، سواء المعادية أو غير المعادية، فرصة استغلاله بطريقة مسيئة أو ساخرة، والقضية في حد ذاتها طبيعية وبسيطة، لكن طريقة تناولها الإعلامي شابها التضخيم والمبالغة، وكأن الأمر حدث جلل سيغير وجه المنطقة أو يعيد العلاقات الدولية إلى مسار آخر، وهذا غير صحيح.
وأوضحت مدير مركز العرب للدراسات أن بعض وسائل الإعلام صورت القرار وكأنه خطوة استثنائية أو حدث استراتيجي من شأنه أن يغير الموازين السياسية أو يحرض بعض الأطراف الدولية، في حين أن القرار جاء في سياق طبيعي لإعادة الأمور إلى نصابها؛ مضيفة كان يجب أن يكون الخطاب الإعلامي أكثر مسؤولية ونضجًا، خاصة أننا في مرحلة حساسة قد تُوصف بأنها مرحلة تعبئة عامة، حيث تكون كل كلمة محسوبة ويُبنى عليها سياسات ورسائل خارجية.
وأكدت الدكتورة دينا محسن، أن تأمين السفارات في الأصل مسؤولية الدول الممثلة لها من خلال شركات خاصة وبروتوكولات دبلوماسية معروفة، بينما دور الدولة المضيفة ينحصر في ضمان الأمن العام دون فرض قيود مبالغ فيها على حركة المواطنين، والقرار ليس رسالة عداء، بل رسالة طبيعية بأن الدولة المصرية استعادت أمنها، وأنها لا ترى ضرورة للاستمرار في فرض قيود إضافية لم تعد لها مبررات.
وتابعت محسن أن بعض الدول اتخذت إجراءات متسرعة كرد فعل، مثل إغلاق بعض السفارات مؤقتًا، لكنها سرعان ما عادت للوضع الطبيعي بعدما تأكدت من استقرار الأوضاع، وأن الأمر لم يكن يستدعي كل هذا التصعيد، لكنه دليل على أن غياب التنسيق الإعلامي والدبلوماسي أحيانًا قد يؤدي إلى سوء فهم.
واختتمت خبيرة الشؤون الدولية دينا محسن، أن الإعلام له دور حاسم في مثل هذه القرارات، مشيرة إلى أن الخطاب الإعلامي العشوائي قد يتسبب في أزمات دبلوماسية غير مبررة، كما حدث في أزمات سابقة مثل أزمة مصر والجزائر بسبب الإعلام الرياضي.