تمثال ملكة بطلمية في هيئة إيزيس بطل من أعماق البحر إلى المتحف المصري الكبير
يستعد المتحف المصري الكبير لاستقبال أحد أهم كنوز الآثار الغارقة، وهو تمثال ضخم من الجرانيت الوردي يجسد إحدى ملكات البطالمة في هيئة الإلهة إيزيس، آلهة السحر والأمومة في مصر القديمة، هذا التمثال ليس مجرد قطعة أثرية، بل شهادة حية على حضارة عريقة مزجت بين الفن والدين والسياسة، وبين القداسة والجمال، ليحمل رسالة من الماضي البعيد إلى الحاضر.
رحلة الاكتشاف
تم العثور على التمثال خلال الحفائر البحرية التي قادها المعهد الأوروبي للآثار البحرية برئاسة عالم الآثار فرانك جوديو، بالتعاون مع الإدارة المركزية للآثار الغارقة، وقد جرى انتشاله عام 2000 من موقع مدينة هيراكليون القديمة في خليج أبي قير بالإسكندرية، وهي المدينة الأسطورية التي ابتلعتها مياه البحر منذ قرون طويلة وظلت خبيئة الأعماق حتى مطلع القرن الحادي والعشرين.
الأوصاف الفنية
التمثال مصنوع من الجرانيت الوردي، ويبلغ ارتفاعه نحو خمسة أمتار، فيما يزن ما يقارب أربعة أطنان. يظهر التمثال الملكة البطلمية في هيئة الإلهة إيزيس (Aset) مرتدية التاج الشهير المؤلف من قرنين يتوسطهما قرص الشمس، ورداءً ضيقًا شفافًا يمتد من الكتفين حتى القدمين، مع حزام طويل ينسدل من الأمام بشكل أنيق، في تجسيد واضح لمزج الرمزية الدينية المصرية مع التأثيرات الفنية اليونانية التي تميزت بها تلك الحقبة.
حالة الترميم
عند العثور عليه، كان التمثال مهشمًا إلى أربعة أجزاء: التاج، مقدمة الرأس، الجسم حتى الساقين، والقدمين. كما فقدت بعض الأجزاء مثل الركبة اليسرى والذراع الأيمن بالكامل. عقب انتشاله، نُقل إلى مخازن إدارة الآثار الغارقة لإجراء عمليات الصيانة والترميم وإعادة التجميع، ليعود إلى صورته الأصلية قدر الإمكان.
بعد اكتمال ترميمه، شارك التمثال في عدد من المعارض العالمية الكبرى، حيث لفت الأنظار بجماله وحجمه الضخم، وأثار إعجاب خبراء الفن والآثار والجمهور على حد سواء.
القيمة التاريخية والفنية
يحمل هذا التمثال قيمة مزدوجة، تاريخية وفنية؛ فهو يوثق ملامح الفن البطلمي الذي مزج بين المعتقدات المصرية القديمة والأساليب الهلنستية، كما يعكس الدور الرمزي للمرأة في البلاط البطلمي وتجسيدها للقداسة؛ إضافة إلى ذلك، فإن بقاء التمثال قرونًا في أعماق البحر ثم خروجه للنور من جديد، يمثل قصة بقاء استثنائية تؤكد أن الآثار قادرة على رواية التاريخ مهما طال غيابها.
يعد تمثال الملكة البطلمية المنتشل من خليج أبي قير رمزًا لمدينة هيراكليون الغارقة التي أعادتها جهود علماء الآثار إلى ذاكرة الحاضر، وشاهدًا على أن الحضارة المصرية ما زالت تفاجئ العالم بكنوزها المدفونة تحت الأرض وفوقها وحتى في أعماق البحار.