اتحاد الناشرين العرب يحسم نزاعًا حول حقوق الملكية الفكرية للمصحف المرتل "الواضح في التجويد"
شهد قطاع النشر العربي نزاعًا حادًا خلال الأشهر الماضية بيندار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة (مصر) ودار الفجر الإسلامي (سوريا)، حول حقوق الملكية الفكرية الخاصة بمصحف "الواضح في التجويد".؛ وبعد جلسات مطولة ومراسلات متبادلة بين الطرفين، أصدرت لجنة الملكية الفكرية باتحاد الناشرين العرب قرارها رقم (178) بتاريخ13 يوليو 2025، الذي حسم الخلاف لصالح دار السلام.
خلفية النزاع
تعود جذور القضية إلى اتهام دار السلام لدار الفجر الإسلامي بالتعدي على حقوقها الفكرية المسجلة منذ عام 2013 بشأن مصحف "الواضح في التجويد"، وتقدمت دار السلام بشكوى رسمية إلى اتحاد الناشرين العرب بتاريخ 10 مارس 2025، مدعومة بعقد اتفاق سابق مبرم عام 2019 ينظم العلاقة بين الطرفين، ويمنع أي إعادة طبع أو نشر للمصحف دون موافقتها، ودار السلام، التي تأسست بالقاهرة عام 1998، أكدت أنها تمتلك حقوق المؤلف المعتمدة لدى المجلس الأعلى للثقافة – إدارة حقوق المؤلف والمسابقات – برقم 308 بتاريخ 20 أكتوبر 2013، وهو ما يمنحها الحق الحصري في نشر وتوزيع هذا المصحف المصحوب بأحكام التجويد الملونة.

رد دار الفجر الإسلامي
من جانبها، نفت دار الفجر الإسلامي – المتخصصة في طباعة المصاحف بسوريا، هذه الاتهامات، معتبرة أن القرآن الكريم لا يخضع لحقوق الملكية الفكرية، وأن ما دفعته سابقًا لدار السلام كان عن "جهل" بوجود حقوق ملكية تتعلق بالمصحف.
كما أكدت أنها لم تقم بطباعة "الواضح" نصًا أو زخرفة، وأن ما قامت به منذ أكثر من 13 عامًا هو إصدار مصاحف أخرى تعتمد على تراخيص من الأزهر الشريف، مع تطويرات في طريقة عرض أحكام التجويد وتفسير الآيات وأسباب النزول.
وأشارت دار الفجر إلى أن الأزهر الشريف لا يمنح "تسجيلات ملكية" للمصاحف، وإنما موافقات تداول مدتها خمس سنوات، وأن دار السلام لم تجدد موافقتها منذ سنوات، معتبرة أن القضية محاولة لاستغلال اتحاد الناشرين للحصول على وثيقة يمكن استخدامها لمنع تداول مصاحفها في الدول العربية.
موقف لجنة الملكية الفكرية
قامت اللجنة، برئاسة خالد جبر وعضوية عدد من المتخصصين في الملكية الفكرية والنشر، بدراسة الشكوى والمستندات المقدمة من الطرفين. وشملت دراسة اللجنة الاطلاع على نسخة مصحف "الواضح في التجويد" الصادرة عن دار السلام، ومراجعة عدة مصاحف صادرة عن دار الفجر الإسلامي، منها:
• المصحف المجود برواية حفص عن عاصم (طبعة 2017).
• مصحف معلم الترتيل مع تفسير السعدي وأسباب النزول (طبعة 2024).
• المصحف المفصل الموضوعي مع معلم الترتيل (طبعة 2024).
• مصحف معلم الترتيل المفسر (طبعة 2022).

وتوصلت اللجنة إلى أن دار الفجر الإسلامي استخدمت عناصر جوهرية من فكرة دار السلام المسجلة، بما في ذلك نظام الترميز اللوني لأحكام التجويد، ووضعها في مواضع مشابهة مع تطويرات شكلية، ما اعتبرته اللجنة استغلالاً غير مصرح به لعناصر محمية.
النتائج والقرار
خلصت اللجنة إلى النتائج التالية:
1. إثبات حقوق الملكية الفكرية لدار السلام في مصحف "الواضح في التجويد" استنادًا إلى شهادة التسجيل الصادرة عام 2013.
2. اعتبار دار الفجر الإسلامي منتهكة لهذه الحقوق نتيجة استخدامها عناصر الفكرة المسجلة دون تصريح.
3. إلزام دار الفجر الإسلامي بدفع تعويض مالي قدره 10,000 دولار لصالح دار السلام خلال أربعة أشهر.
4. إدراج دار الفجر الإسلامي في القائمة السوداء لاتحاد الناشرين العرب حال عدم الالتزام بما ورد في القرار.
5. ترك مسألة السماح بتداول المصاحف المطبوعة من قبل دار الفجر الإسلامي في المعارض العربية لتقدير كل دولة وفق قوانينها المحلية وتعليمات إدارات معارض الكتب.

وهذا القرار صدر بأغلبية أعضاء لجنة الملكية الفكرية، ووجه إلى كل من رئيس اتحاد الناشرين العرب، الأمين العام، ورؤساء اتحادات الناشرين في مصر وسوريا، إلى جانب طرفي النزاع.
انعكاسات القرار على سوق النشر الديني
يمثل هذا القرار محطة مهمة في مسار حماية الملكية الفكرية في قطاع النشر الديني، إذ يؤكد على حق المؤلف حتى في المصاحف المشروحة أو المزخرفة، ما دام يتضمن إضافات فكرية أو إبداعية خاضعة للتسجيل، ويسلط الضوء على التحديات التي تواجه دور النشر في العالم العربي فيما يتعلق بتجديد التراخيص وتداخل صلاحيات المؤسسات الدينية مع الهيئات الثقافية.
ويرى بعض الخبراء في حقوق النشر أن هذا الحكم قد يدفع الناشرين إلى مزيد من الالتزام بتوثيق حقوقهم وتجديدها دوريًا، خاصة في ظل توسع سوق المصاحف التعليمية والمفسرة، وتزايد اعتمادها في الدول الإسلامية.
تؤكد هذه القضية أهمية وجود أطر قانونية واضحة لحماية الإصدارات الدينية من القرصنة والتزوير، مع احترام النص القرآني وثوابته.
ويأمل اتحاد الناشرين العرب أن يكون هذا القرار رادعًا لأي تجاوزات مستقبلية، وأن يسهم في تعزيز ثقة الناشرين في حماية حقوقهم الفكرية عبر الأطر المؤسسية والقانونية.