الأحد 19 مايو 2024 الموافق 11 ذو القعدة 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

عبدالناصر القائد.. كيف سيطر "السبع" على اجتماع رئاسي وسط ترسانة سلاح؟.. وما حكاية مدينة الأشباح الهائمة؟.. ومن هو الرئيس العربي الذي وصل الاجتماع متخفيًا في "دشداشة"؟.. أسرار يكشفها صديق الحكام

السبت 26/سبتمبر/2020 - 11:56 م
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

سلط الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، الضوء على واقعة غاية الغرابة حدثت بين مجموعة من الحكام العرب، في كتابه عبد الناصر والعالم، إذ قال أنه قبل وفاة عبد الناصر بخمسة أسابيع، شعر بأن الملك حسين يستهين بقدر المقاومة الفلسطينية وأنه كان مخطئ عندما قال إنه يستطيع أن يقضي عليهم تماما خلال ساعات، وكذلك  فعندما قابل زعماء المقاومة كان رأيه أنهم كانوا مخطئين عندما قالوا له إنهم في استطاعتهم أن يجهزوا على الملك في سبع ساعات وقال للطرفين معا: "عليكما أن تتعايشا، فما من أحد منكما يستطيع التخلص من الطرف الآخر، وهذه حقيقة من حقائق الحياة عليكم معا أن تسلموا بها.

ويضيف "هيكل" في كتابه أن عبد الناصر قال أيضا للملك حسين: "تقول إنك تستطيع أن تتخلص منهم ؟ حسنا، إذا كنت تقول إنك قادر فربما كنت قادرا بالفعل، و لكن الثمن سيكون باهظا للغاية، فكيف سيكون في وسعك أن تحكم بلد بعد حرب أهلية ستكلفك ما بين عشرين وثلاثين ألف نسمة؟ إنك في هذه الحالة سوف تحكم مملكة من الأشباح الهائمة ".

وقال للفدائيين: "لا تخالوا أن في وسعكم مواجهة جيش حديث، فإذا ما قرر تصفيتكم، فإن ذلك في قدرته، ولذا لا تبالغوا في تقدير قوتكم، ويجب أن تحاولوا إيجاد صيغة للحياة والنضال من الأردن ". 

وأدت جهود عبد الناصر لإحلال السلام في الأردن إلى عقد مؤتمر القمة في القاهرة الذي حضره عشرة من الرؤساء والملوك العرب، وكانت جميع متناقضات العالم العربي تتجلى في اجتماعهم الذي انعقد بينما كان القتال دائرة في الأردن. 

ولعب عبد الناصر دور الوسيط والمصلح طوال الأيام الثمانية التي استغرقها المؤتمر لأنه كان يريد جاهدا ويائسيا تجنب الانقسام والتكتل، بين مختلف الفئات، ولكن ذلك كان عسيرا في معظم الأحيان، فكان یاسرعرفات قد أمكن تهريبه من عمان متخفيا في "الدشداشة" وكوفية بيضاء حتى يتمكن من حضور مؤتمر القمة، ووصل مفعما بالعداء للملك، وما لبث الملك حسين أن اتصل شخصيا بالتليفون وطلب الحضور لیرد أمام المؤتمر على ما جاء في التقرير المقدم من الرئيس جعفر نميري، والذي ألقى عليه اللوم وحمله تبعة استمرار إراقة الدماء، غير أن بعض الحاضرين عارضوا اشتراكه. 

يقول "هيكل" أن رأي عبد الناصر كان أنه يجب على الملك أن يحضر مادام هدف المؤتمر وضع حد للمذابح، غير أن الرئيس القذافي انفجر معترضا على ذلك قائلا: "ما الفائدة من إحضاره ؟ إنه معتوه، إنه مجنون.. واعترض الملك فيصل آل سعود على الفور قائلا: "كيف تقول ذلك عن ملك عربي، وأجابه القذافي قائلا: " ولكن أين والده؟ أليس هو محتجزا في مصح عقلى في اسطنبول؟ إنه مجنون.. قطعا مجنون.. إن الجنون وراثي في تلك العائلة.. إنهم جميعا مجانين". 

وناشد الملك فيصل الرئيس عبد الناصر أن يتدخل لدى القذافي: "كيف نقبل أن يصم أحد زملائنا ملكا عربيا سيشترك معنا في مناقشاتنا غدا، بالجنون؟ ". 

وبدأ الرئيس عبد الناصر يبتسم، بينما مضى القذافي يقول: "أجل.. والله إنه مجنون.. وينبغي علينا أن نستدعى غدا بعض الأطباء لارساله إلى مستشفى للأمراض العقلية حتى نتبين ما إذا كان مجنونا أم لا". 

وتدخل عبد الناصر ضاحكا: يبدو لي أننا جميعا مجانين، وأقترح أن نستدع بعض الأطباء للكشف علينا جميعا ليقرروا من منا مجنون ومن الراشد". 

وعندئذ قال الملك فيصل: "طيب.. لا بأس يا حضرة الأخ عبد الناصر، ولكنني أريد أن أكون أول من يكشف عليه الأطباء، فربما وجدوني مجنونة وساعتها أكون قد تجنبت عذاب الاشتراك في محادثات كهذه ".

ويحكى الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل في كتابه أنه عندما وصل الملك حسين للاشتراك في الاجتماع كان يصطحب اثنتين من الضباط معه.. وكان الثلاثة مسلحين بالمسدسات، وكان ياسر عرفات هو الآخر يتمنطق بمسدس حول خصره، وكذلك كان القذافي يحمل مسدسا حول وسطه هو الآخر . 

وأشار عرفات إلى الملك حسين وصاح: "هل ترون هذا المجرم، يقتلنا ثم يأتي إلى هنا "، وقام الحاضرون بتهدئته، غير أن الملك فيصل تطلع إلى من حوله وقال: "أعوذ بالله.. إننا في ترسانة سلاح، وفي مهب كل هذه المشاعر الملتهبة". 

ويقول "هيكل" أنه لم يشأ الملك فيصل أن يجلس إلى جوار أي عضو في المؤتمر يحمل مسدسا، ومع ذلك فقط أحتفظ حاملو المسدسات بها. 

ويؤكد "هيكل" في كتابه أنه كان اجتماعا يسوده التوتر البالغ، ولكن - كما هي التقاليد أحيانا! - فقد راح الرجال الذين كانوا على استعداد لقتل بعضهم البعض في الصباح يتبادلون القبلات الأخوية في المساء. 

وحصل الرئيس عبد الناصر على موافقة كل من الملك حسين وياسر عرفات على وقف إطلاق النار، ودهش الجميع من هذه النتيجة، فقد كانت كل الظواهر تشير إلى استحالة ذلك: حدة المشاعر، وعمق الخلافات الجوهرية، ومن ثم فقد بدا الفشل أمام العالم الخارجي أمرا محتما لا مفر منه، على أن عبد الناصر استطاع بمقدرة سياسية وصبر لا تحده حدود أن يقنع الإخوة المتخاصمين بتوقيع الاتفاق.