الإثنين 29 أبريل 2024 الموافق 20 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

ملاحظات حول العملية الإرهابية في "كروكوس" بموسكو.. وتساؤلات حول مدي كيفية تنفيذ عملية كهذه بهذه الأريحية.. ومؤشرات حول أخطاء المخطط لهذه الحادثة في كافة جوانبها

الأربعاء 27/مارس/2024 - 10:41 ص
هجوم موسكو
هجوم موسكو

لا شك في أن العملية الإرهابية التي وقعت في المركز التجاري – الترفيهي " كوروكوس " الذي يقع في ضاحية كراسناجورسك بالعاصمة الروسية موسكو مساء يوم الجمعة الماضية سيلقى بظلاله على النزاع الروسي – الأوكراني لفترة طويلة، ناهيك عن تأثيره على الجهات التي تقدم الدعم بحماس للدولة الأوكرانية.

 

وقد خلف هذا الحادث الكثير من التساؤلات التي ربما سيظل البعض منها دون إجابات واضحة لفترة طويلة إن لم يكن إلى الأبد، ولكن مهما كانت التساؤلات التي تحوم حول ملابسات العملية الإرهابية، ينبغي أن نشير إلى وجود ملاحظات هامة تتصل بالحادث سواء في مراحل من قبله وأثناءه وما بعده.

 

فرغم فظاعة الحادث والمشاهد التي تناقلتها شاشات التلفزيونات المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي ، اتسم رد فعل القيادة الروسية عليه بضبط النفس الشديد لدرجة تثير الإعجاب لدى أنصار روسيا وخصومها على حد سواء، فالقيادة الروسية وعلى رأسها الرئيس فلاديمير بوتين كانت تهتم في المقام الأول بالتعامل مع العملية الإرهابية وتقديم المساعدة للمتضررين وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الضحايا وعدم إتاحة الفرصة لانتشار الهلع وسط السكان أو اشتعال الفتنة بين مختلف طوائف المجتمع.

 

القيادة الروسية لم تستسلم للفرضيات الأولية للجهة المخططة والمنفذة للعملية الإرهابية، وذلك حتى لا يؤدي ذلك على إشعال الأحقاد والفتنة بين القوميات والأديان المختلفة في الدولة، وكانت تدرك جيدا أن هذا هو الهدف الرئيسي من هذه العملية.


ومن أهم الملاحظات التي تتصل بهذه العملية هو أن المنفذين لم يحاولوا ارتداء أقنعة لحجب هويتهم، ذلك رغم نجاحهم في تنفيذ العملية والهرب بكل سهولة، ساعد كشف أوجههم بطبيعة الحال الجهات الأمنية في روسيا في التعرف عليهم، والامر الثاني هو اتجاههم للهرب من خلال الحدود مع أوكرانيا وهو أمر صعب للغاية نظرا لظروف الحرب ويقظة السلطات الروسية في هذه المناطق، وحتى لو افترضنا صحة ما يقال عن أن الجانب الأوكراني كان قد أعد لهم جيبا للتسرب والهرب.

 

الملاحظة الأخرى والأكثر خطورة هي أن المستهدف من هذه العملية كان هو المركز التجاري – الترفيهي " كروكوس " وهو واحد من اهم المراكز الترفيهية في روسيا وهو ما يعني أن هذا المركز يحظى بمستوى عالي من التأمين وبصفة خاصة وأنه في وقت تنفيذ العملية كان هناك حفل غنائي مهم في هذا المركز؛ وهو ما يتطلب إجراءات أمنية إضافية، فكيف تمكن الإرهابيون من الدخول وتسريب الأسلحة والذخيرة وتنفيذ عمليتهم بكل أريحية ثم تبديل ملابسهم والهرب دون أن يجدوا من يتصدون لهم بالشكل اللائق.

 

كل هذا يؤكد أن هذه العملية لا تقتصر على الأربعة المنفذين وإنما كان يعاونهم آخرون سواء من داخل المركز أو من خارجه، وهؤلاء المعاونون عددهم ليس بقليل وربما مراكز عملهم ليست بسيطة.

 

الملاحظة التالية تخص العناصر التي تم اختيارها لتنفيذ العملية وهم أربعة من الطاجيك الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 و 33 عاما، وجميعهم باستثناء الأصغر لديهم زوجات وأبناء، وبطبيعة الحال لديهم مشاكل مادية واجتماعية ومشاكل في الإقامة والعمل في روسيا ناهيك عن الانتماء العقائدي ، وكلها عناصر تجعل هؤلاء الأفراد تحت مجهر دوائر الامن الروسية ، ومع ذلك نجحت الجهات الخارجية في تجنيدهم وتدريبهم والدفع بهم لتنفيذ العملية في غفلة من دوائر الأمن بما في ذلك في غفلة من العناصر التي يجري زرعها وسط الجاليات المختلفة لرصد تحركاتها وأنشطة أفرادها.

 

هذه العملية لا تعتبر هي المحاولة الوحيدة التي تتعرض فيها روسيا للاستفزاز حيث سبقتها الكثير من محاولات تجنيد الأفراد المختلفين للقيام بعمليات مختلفة، وكانت عمليات التجنيد تتم في الأساس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وكان أغلب الأفراد الذين يجري تجنيدهم من الروس وبغض النظر عن الانتماء القومي والعرقي والديني، لذلك فاختيار عناصر من دولة في أسيا الوسطى وكذلك من المسلمين إنما هو أمر في حد ذاته ينطوي على هدف ضمني غير إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا ، وهذا الهدف أدركته القيادة الروسية على الفور وهو إشعال الفتنة الداخلية ، ومن هنا جاءت تصريحات الرئيس الروسي التي أكد فيها أن روسيا تعرف جيدا المنفذين ولكن ما يهمها هو من يقف وراء المنفذين ، وأنها لن تتسرع في استخلاص الاستنتاجات وسوف تنتظر التحقيقات للوقوف على المخطط الحقيقي للعملية الإرهابية.


رغم كل شيء كانت هناك تلميحات من روسيا بانه لا يراودها أدنى شك في تورط جهات أوكرانية في الحادث ، وذلك رغم إصرار الدول الغربية وإلحاحها في التأكيد على أن تنظيم " الدولة الإسلامية " هو من يقف وراء هذه العملية ، وهذا الإلحاح قد أدى إلى هفوات في تصريحات بعض المسؤولين ، بما في ذلك المستشار السابق للرئيس الأوكراني ألكسي أريستوفيتش الذي خرج ليفند الشكوك الروسية ولكنه في غضون ذلك صرح بان عدد ضحايا المركز الترفيهي ربما يتناسب مع عدد الضحايا الذين يتساقطون كل يوم في أوكرانيا ، وفي غضون ذلك استخدم عبارة " من قتلناهم في المركز يتناسب مع من تقتلهم روسيا كل يوم " حتى وإن عاد ليصحح ما قاله بإضافة " من قتلناهم أو لم نقتلهم أو من قتلوا".

 

وتبقى أهم ملاحظتين وهما: أن المخطط لهذه العملية قد أخطأ في كافة جوانبها بحيث لم ولن يحقق من ورائها سوى إسقاط هذا العدد الكبير من الضحايا من الأبرياء، فربما أن المخطط لها كان يسعى لاستفزاز روسيا للقيام بأعمال هوجاء تدينها في العالم وهذا ما لم يحدث حيث لم تقع روسيا في هذا الفخ، وفي نفس الوقت ضمنت روسيا التفاف أكبر عدد من الدول حولها في هذه المحنة، وربما تفهم لأية إجراءات سوف تقوم بها للانتقام ممن قاموا بها وضمان عدم تكرارها.

 

الشيء الآخر هو أن روسيا تدرك جيدا أن طول زمن الحرب ربما يكون قد تسبب في نوع من الاسترخاء وسط الدوائر الأمنية المختلفة لذلك فبالتأكيد سوف تعيد النظر بشكل جذري في إجراءاتها الامنية .