الأحد 28 أبريل 2024 الموافق 19 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

في يومها العالمي.. احتفال يذكر من تناسى الأهمية الحضارية والتاريخية والأدبية للغة الضاد

الأحد 19/ديسمبر/2021 - 09:02 م
مصر تايمز

يتعجب البعض من قلة الاهتمام باللغة العربية بين العامة، وبينما يمتد طوال هذا الأسبوع فعاليات متنوعة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الموافق 18 من ديسمبر، الذي يعود كل عام ليذكر من تناسى بالأهمية الحضارية والتاريخية والأدبية للغة الضاد، ومن خلال هذا التقرير نستعرض إجابات بعض رواد الوسط الثقافي حول العربية ومشاكلها.

* هل تعتبر العامية عدوة للفصحى؟ 

قال الشاعر ونائب رئيس التحرير بمجلة الإذاعة والتلفزيون أحمد المريخي: "العامية ليست عدوة الفصحي لأنها أيضا فصيحة، فمعنى الفصيح يشمل اللغة الرسمية، أي التي تستخدمها المؤسسات جميعها في توثيق مستنداتها ومكاتباتها، واللغة غير الرسمية، أي التي ليست لها أجرومية أو قواعد ثابتة تكتب بها، لذا فإن الفصحى يمكن أن تنطبق على كل لغة، كما أن توصيف الفصيح أو الفصيحة يطلق على كل من يعبر عن أفكاره بشكل بسيط وجميل ويسير دون تعقيد أو تقعير، أي بأسلوب تواصلي جميل".

بينما قال الأستاذ الإذاعي وكاتب السيناريو سعد القليعي المتخصص في اللغة العربية: "لا طبعًا العامية ليست أبدًا في عداء مع الفصحى، بل هي لازم من لوازمها فكل لغة لها مستويات عليا للتعبير ومستويات أقل منها، وبالتالي فإن وجود الفصحى يعني بالتبعية وجود العامية، والعامية نحت وسكّ للفصحى له أسبابه المعتبرة، فمثلًا (ما فيه شيء) تصبح (مفيش) و(يستأهل) هي (يستاهل) و(لأجل) هي (لجل) وهكذا".

وأكد على ذات الرد الكاتب محمد الناصر أبوزيد، كبير المذيعين بشبكة صوت العرب، وعضو اتحاد كتاب مصر: "لا أعتبر العامية عدوة للفصحي، أسلوب الحياة يستلزم مستويين للغة من أجل التواصل، فصيح وعامي، العامية لم تنشأ من فراغ، إنما من أجل تلبية حاجة للتواصل اليومي، لا يستطيع المستوي الفصيح -على الأقل حاليا- أن يحققه بالكفاءة نفسها".

وأضاف الصحفي والمصحح اللغوي أشرف عبدالهادي: "اللغة في وقتنا هذا لها أربع مستويات، اللغة الفصحى المعجمية التي تلتبس على معظم الناس ماعدا المتخصصين، وهناك اللغة الفصحى التي تجمع ألفاظ جاذلة لكن مفهومة لمعظم الناس، ويوجد لغة مستحدثة وهي ما تمسى لغة الصحافة السهلة التي تجمع ما بين الفصحى والعامية لأنها تستهدف قارئ الشارع، ويوجد اللغة العامية المتداولة بين الناس، ولذلك لا يوجد عداوة بين الفصحى والعامية لأن الكثير من الألفاظ التي نستخدمها في العامية أصلها فصحى، فالعامية لغة غير معقدة نشأت للتواصل بين الناس".

* لماذا انتشرت كتابة "الفرانكو" خاصة بين الشباب؟


قال سعد القليعي: "كتابة (الفرانكو) هي أحد مظاهر الهوان الذي نعيشه على كل المستويات، فالإحساس بتفوق الآخر نتيجته الطبيعية محاولة تقليده، والظاهرة ليست قاصرة على الشباب، إنما كل ما حولنا ينطق بهذه الظاهرة، من أسماء المحال والشركات إلى المراسلات ووصلت حتى لبرامج الراديو والتليفزيون، نحن في بلد عربيّ وكلنا يتحدث العربية ما الداعي إذن أن تراسلني شركة الاتصالات أو البنوك باللغة الإنجليزية؟ في وقت ما كان القانون يمنع وضع أسماء أجنبية على المحال، أمّا الآن فالحكومة نفسها انحدرت في هذا المنحدر بدلًا من أن تحاول حماية المواطنين من الوقوع فيه، ألا ترين أن شركة الاتصالات التابعة للحكومة اسمها (وي؟)".

بينما قال أشرف عبدالهادي: "الإنسان وليد البيئة التي يعيش بها، من ينتج هو من يسمي الشيء، الغرب انتج التليفزيون والردايو وها نحن نطلق عليهم ذات المسميات، فعندما ننتج نحن نستطيع أن نسمي الأشياء، وذلك يتم استخدام (الفرانكو) لأنه يجمع بين الإنجليزية والعربية".

وأضاف محمد الناصر أبوزيد: "لأسباب، منها تنامي تعلم اللغات الأجنبية في المدارس، والاستخدام المتنامي للإنترنت، تلك التقنية التي تستلزم قدرًا معرفيًا باللغات الأجنبية، خاصة الإنجليزية والفرنسية، والشعور بالتميز الاجتماعي عندما يكتب الشاب (الفرانكواراب)".

* لماذا يعتبر المجتمع متحدث الإنجليزية من طبقة راقية ومتحدث العامية من طبقة متدنية؟


أجاب أحمد المريخي فقال: "المجتمعات العربية عمومًا تعيش عقدة الخواجة كما يقولون، أيضًا لأن نظرة المجتمع التي تشيرين إليها نظرة طبقية.

لكن ظاهرة تطعيم الأحاديث بكلمات أجنبية هي ظاهرة قديمة وكانت منتشرة في عقدي السبعينيات والثمانينيات في مصر، وقد كتب فيها آنذاك الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، وأطلق على من يستعرضون بها مصطلح (أي روتيد)، أي (منقطعو الجذور).

أما فيما يتعلق بتقدير المجتمع لمن يتحدثون اللغة الإنجليزية فإن هذا يعود إلى أهميتها كلغة منتشرة عالميًا، ويتم التعامل بها في معظم بلاد العالم.

من جانب آخر فإن اللغات الأجنبية حاليًا باتت ضرورة لفهم الآخر، ومن أكثر المهارات التي تمنح صاحبها فرص عمل".

بينما أجاب محمد عبدالناصر فقال: "بالفعل متحدث الإنجليزية بطلاقة في الحياة اليومية من طبقة أرقي، إذا ما تم التقسيم الطبقي على أساس اقتصادي، لأن تعلم اللغة الإنجليزية يتم في مدارس لغات، لا يستطيع تحمل مصروفاتها إلا المقتدرون ماليًا، لكن الموضوع مرتبط أيضًا بالثقافة، لأنك ستجدين فقراء يحاولون حشر كلمات إنجليزية أثناء التحدث، لكي يظهروا بمظهر طبقي أعلى، ومستوى ثقافي مميز".

أكد هذا المعنى سعد القليعي فقال: "المجتمع يرى في التحدث بالإنجليزية رقيًّا لأنه كما قلتُ، الإنجليزية ثقافة منتصرة وثقافتنا للأسف ثقافة مهزومة، والمهزوم يرى في كل ما يخص المنتصر رقيًا، ففي وقت انتصار الثقافة العربية كان ملك فرنسا يوقّع اسمه باللغة العربية كنوعٍ من الوجاهة وكأنما يستعرض ثقافته، ثم إن المجتمع يرى الشركات بما فيها الحكومية عند التشغيل تفضل من يجيد الإنجليزية وتغض الطرف عن العربية، فصرنا نرى قضاة ومحامين وأساتذة جامعة مستواهم في اللغة العربية يدعو للرثاء ولا يجدون غضاضة أبدًا في الأخطاء الفادحة في لغتهم الأم، أمّا من يخطئ في الإنجليزية ولو في النطق فهو عرضة للسخرية والاستهجان".

* ما حجم الكلمات الفصحى داخل العامية والتي يجهل الناس أنها فصيحة؟


قال أشرف عبدالهادي: "كل كلمة في العامية لها أصل سواء كان من الفصحى أو اللغة المصرية القديمة أو غيرهما، ويتم تطويع تلك الكلمات لتكون مناسبة للعصر الذي نحن فيه، لأن اللغة كائن حي يتمدد وينكمش ويتغير، فاليوم نستخدم كلمة (حرامي) للإشارة على السارق بينما أصلها كلمة (حرام) أي كل من فعل شيء محرم، وتم تخصيص الكلمة لتقع على السارق، ومثال آخر كلمة عقل أصلها معنى الربط ولكن اليوم يشير للمخ والتفكير".

بينما قال أحمد المريخي: "عدد المفردات أو الألفاظ (المعتمدة رسميًا من مجمع اللغة العربية) كثيرة جدًا وفقًا لتقديري، وكثيرون يتلفظون بمفردات منها دون أن يدركوا أنها دارجة".

وأضاف سعد القليعي فقال: "غالبية ألفاظ العامية هي في الأصل فصيحة وإلا مما جاءت إن لم تكن من اللغة الفصيحة، يندر وجود كلمات عامية ليست ذات أصل فصيح أو هي كما هي فصيحة مثل (بُصّ، وشاف، يتفرج، يتفسّح، خلِّ، وهكذا) فكلها فصيحة وإن كانت العامية تُجري عليها بعض التحوير".

* ما أكثر الأخطاء الإملائية الشائعة بين الناس؟


أجاب محمد الناصر أبوزيد فقال: "أظن كتابة الهمزة، أنا شخصيًا أحيانًا يتطلب مني الأمر الرجوع إلى القاعدة في بعض الحالات، التي يلتبس عليَّ فيها وضعية الهمزة في الكلمة".

وأكد هذا سعد القليعي فقال: "أكثر الأخطاء الشائعة حتى بين الكُتّاب وللأسف منها ما يظهر في الكُتب والصحف الهمزة المتوسطة، فكلمة أصدقاء مثلًا تتغير فيها شكل الهمزة إملائيًا بتغير موقعها فتكون (أصدقاءه أو أصدقائه أو أصدقاؤه)، وللأسف قليلون جدّا من يعرفون قاعدة كتابتها، كذلك همزات الوصل والقطع".

بينما قال أشرف عبدالهادي: "يوجد الكثير من الأخطاء الشائعة ولكن كمثال التأنيث والتذكير، فمثلًا كلمة مستشفى الصحيح أنها مذكر لكن أغلب الناس يستخدمونها على أنها مؤنثة، ومثال آخر كلمة سوق التي على العكس يستخدمها الأغلب على أنها مذكره بينما هي مؤنثة".

* لماذا لا توجد احتفالات بين عامة الناس بيوم اللغة العربية مثل باقي الأيام العالمية؟


قال أشرف عبدالهادي: "لأن دار اللغة لدينا بعدت عن الجانب الإبداعي أو التحريري وتحولت اللغة لجانب شفوي أكثر، فأصبحت اللغة العربية ليست شيء يجعل الناس تجتمع للاحتفال، فلحدوث مثل هذه الاحتفالات تحتاج ضبط من المسؤولين أو من المؤسسات وليس أفراد".

بينما قال محمد الناصر أبوزيد: "أوافقك في هذا الرأي الذي جاء على شكل تساؤل، فما يزال الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية نخبويًا، وعلى مستوى المؤسسات الإعلامية في الأغلب، ويعود ذلك إلى قلة تأثير المؤسسات المدنية العاملة في مجال رعاية اللغة العربية، وهي معذورة لأن عددها قليل وإمكاناتها المادية المحدودة، تقلل من قدراتها على العمل المجتمعي، ومن ثم إحداث تأثير عميق في المجتمع، له علاقة وثيقة بحال اللغة العربية".

وأضاف أحمد المريخي: "رغم وجود احتفالية لكنني أضم صوتي إلى اقتراحك بإقامة مهرجانات واحتفاليات مكثفة في ذلك".